تساؤلات عن الحب والحرب

الحبُّ بما يحمله من مشاعر مرهفة حسّاسة، وعواطف نبيلة راقية هو أساس تكوين الشخصية، تميّز به الإنسان عن سائر الكائنات، فهو أساس تكوين تلك النطفة في رحم الأم… وكما يقول عنه فناننا الكبير وديع الصافي: (عليه تعمر أساس الكون، وأيَّ نبي بالحب ما بشّر).

لذا لا يمكننا النظر إلى تلك الأحاسيس والعواطف على أنها أشياء ملموسة نكيّفها كيفما نشاء، ونجعل لها من المظاهر ما نريد بما يتوافق مع تطور الحياة والمجتمعات، أو بما يتلاءم مع صرعات الموضة السائدة في زمن العولمة اللاإنساني في بعض جوانبه، والتي جعلت حتى هذه العاطفة تقبع في فخ الاستهلاك، وتنزل إلى جانب بضائع أخرى في اقتصاد السوق..!!!

ولأن الحبَّ أسمى وأرقى المشاعر بمفهومه الإنساني العام، فهو لا ينحصر ضمن إطار واحد أو اتجاه واحد أو شخص واحد( امرأة ورجل) فلا يُعقل أن نحصر عواطفنا، ونعبّر عن مشاعرنا في يوم واحد من العام نسميه: عيد الحب.

جميلٌ أن يكون لهذه العاطفة السامية والمقدّسة يوم تحتفل به الإنسانية جمعاء كما نحتفل بعيد الربيع- النيروز- مثلاً، لكن شريطة أن تشمل هذه العاطفة كل العلاقات الإنسانية لتغدو سلوكاً يومياً، فتعود الحميمية للحياة والعلاقات الاجتماعية بعد أن هربت منها اللحمة والتعاطف والمودة، وأوشكت أن تقضي نحبها في زمن الاستهلاك والاستلاب والعولمة.

فكيف لنا أن نحتفل بعيد الحب وكل ما حولنا يشير إلى تلاشي المفهوم الإيجابي- الاجتماعي له في الحياة، ليحلّ محله النفاق الذي يُغلف كل تعامل بين البشر..؟!!

أين الحب في زمنٍ يجعل كل شيء حتى الهواء النظيف، حكراً على من يملك المال..؟!

كيف لنا أن نحتفل بتلك المشاعر في زمنٍ أُتخمنا فيه بطالة وفقراً وانتهازية، حيث لا عمل، لا علم، لا حياة إلاَ لمن استنزف لقمة عيشنا وإنسانيتنا!!

وكيف لنا أن نقيم له الأعراس في زمنٍ طغت الحروب على حياتنا قدراً محتوماً خدمة لمصالح دنيئة ولا إنسانية لحفنة من أثرياء العالم تستورد وتستبيح ثرواتنا وآمالنا وأحلامنا تحت بند الديموقراطية..؟!  بلاد ترتكب أفظع الجرائم بحق الإنسانية جمعاء، لا قيمة فيها لأية مشاعر إلاَ انتصار الربح الناتج عن الدمار ودماء الشعوب..؟!

كيف لنا أن نرعى احتفالية فخمة بعيد الحب، وأبناء الأسرة الواحدة، أو الشعب الواحد الذي يقتدي برسوله حين قال: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه…) وبعضهم يحبُّ لنفسه كل ما يمكن أن يمنعه عن أخيه بحجة الشريعة وصونها…؟!

وهل يمكن أن تتحول أو تُختزل المشاعر ليوم واحد، وهدية فخمة مؤطرة بشريط أحمر..؟

هذا اللون الذي كان على الدوام رمزاً للحب الصادق، ورمزاً للثورة على الظلم أضحى اليوم في بلادنا لوناً دائماً للدماء التي حجبت نور الشمس والحياة والإنسانية، فحلّ مكانها ظلام عقول آتية من مجاهل التاريخ وكهوف الهمجية البدائية الأولى، في حرب لم يشهد لها التاريخ البشري مثيلاً، حرب جرفت وما زالت كل معالم الإنسانية والضمير والحب، فساد العنف والقتل والكراهية لغة واحدة لدى جميع الأطراف، باستثناء شرائح معذّبة تتلقى مصيرها بصبر، زادها الأمل في انتصار الحب لغة إنسانية شاملة.

 

 

العدد 1107 - 22/5/2024