على أبواب المؤتمر الثاني عشر للحزب الشيوعي السوري الموحد قضية المرأة من أبرز القضايا المرتبطة بتطور المجتمع

أربعة أعوام ونيف مرت على انعقاد مؤتمرنا الحادي عشر، والكثير من الأسئلة الصعبة تواجهنا  اليوم وتحتاج إلى قراءة نقدية موضوعية، أبرز هذه القضايا:

القضية السياسية

تخوض البلاد العربية منذ عقود صراعاً حاداً في مواجهة محاولات المخطط الإمبريالي الصهيوني الهيمنة على مقدرات البلاد، ونهب ثرواتها، وفرض سيادته على المواقع الستراتيجية التي يسيطر عليها، وإخضاع الشعوب العربية لأنظمة حكم استبدادية وقمعية كرست نهج التبعية الإمبريالية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وتوجه الرأسمالية العالمية التي أحكمت النهج النيوليبرالي المعادي لمصالح الطبقات الشعبية الكادحة ولصالح الرأسماليين الكبار الذين نهبوا ثروات هذه البلاد، ومايزالون يمارسون سياسة النهب!

إن اندلاع الانتفاضات في عدد من الدول العربية شكل مناخاً مؤاتياً لحدوث احتجاجات ومطالب ومظاهرات واعتصامات شعبية، وأشكال أخرى من الرفض لسياسة أنظمتهم التي جلبت لهم الفقر والبطالة والفساد وانعدام الحريات الديمقراطية، وتدهور التعليم والخدمات والحرمان من التنمية المتوازنة، وحملت هذه الشعوب تصوراتها لبناء دول مدنية ديمقراطية، وهي الشرط الأساسي لمجابهة القوى الإمبريالية والصهيونية وإفشال تآمرها.. غير أن هذه الانتفاضات جوبهت من قبل الأنظمة الاستبدادية والتآمر الإمبريالي والرجعية العربية المتواطئة مع القوى الظلامية الإرهابية.

ودخلت الأزمة السورية في تصعيد عسكري كبير، وتحولت البلاد إلى ساحة صراع دولي وإقليمي أدى إلى وقوع عشرات الآلاف من القتلى والجرحى والمفقودين والمعتقلين والنازحين، وإلى تدمير أجزاء واسعة وهامة جداً من البلاد، وراح يهدد الوجود السوري والمنطقة كلها مع استحالة الحسم العسكري لأي طرف، وهذا أدى إلى أوضاع أكثر ظلامية تهدد سورية دولة وشعباً.. وتصاعد الخط البياني للعنف في السنوات الأخيرة.. ورغم كل ما جرى ويجري من اجتماعات ولقاءات وحوارات من أجل وقف العنف والحفاظ على سورية أرضاً وشعباً وتأكيد استقلالها وسيادتها على كامل أراضيها، ومحاولة الانتقال بها، بتسوية سياسية، باتجاه نظام ديمقراطي تعددي يوفر الحرية والعدالة والمساواة لكل السوريين، إلا أن كل التوجهات العربية والدولية لم تحقق حتى الآن الهدف المطلوب، وبقي الإرهاب سيد الموقف.

إن الحل السياسي التفاوضي بين جميع فئات الشعب السوري بمساعدة الدول المؤثرة في الأوضاع السورية هو السبيل الوحيد لإنقاذ سورية وبسط سيادتها على أراضيها والدفاع عن مواطنيها، وفصل السلطات، وتنظيم الحقوق والواجبات، واحترام القوانين، ووقف الصراع المسلح من قبل كل الأطراف على الأرض السورية، بوقف دعم الجماعات المسلحة، وإدانة وجود كل المقاتلين غير السوريين وإخراجهم من الأراضي السورية، أما السوريون فلهم شأن آخر.

وكذلك من أجل وقف استنزاف طاقات شعبنا وكبح تطلعاته في الحرية والتقدم الاجتماعي، ومن أجل وحدة بلادنا أرضاً وشعباً ومؤسسات وصيانة استقلالها وسيادتها وتحرير المحتل من أرضها.

قضية المرأة

لقد اعتبر حزبنا الشيوعي السوري قضية المرأة واحدة من أبرز القضايا المرتبطة بتطور المجتمع، وبالنضال الوطني والطبقي، في سبيل الديمقراطية والتقدم الاجتماعي والاشتراكية.. ودعا إلى مساواة المرأة بالرجل في الحقوق والواجبات، ومنها حق التعليم والعمل، وممارسة الحقوق السياسية.. كما طالب ومازال حتى الآن بتعديل التشريعات المتعلقة بالمرأة بما يضمن حقوقها الكاملة لبناء الأسرة والمجتمع، وكذلك في إعطاء المرأة جنسيتها لأولادها.

ويمكن القول إن الشيوعيين السوريين أسهموا منذ البدايات بنشاط ملحوظ في النضال من أجل بلورة قضايا المرأة السورية.. وتركّز نضال الشيوعيين في العقود الماضية على أن يضمن الدستور السوري إزالة جميع أشكال التمييز ضد المرأة، ويؤكد ضرورة خلق المناخ التشريعي والقانوني الذي يؤمّن تمكينها ومشاركتها في المجالات كافة، بما يتفق وكل المواثيق الدولية ذات الشأن.. ومن ذلك ضرورة إلغاء كل التحفظات على الاتفاقية الدولية لإزالة كل أشكال التمييز ضد المرأة.

نأمل من توجهات المؤتمر وقراراته أن تحقق انعطافاً في عمل الحزب بين النساء من أجل أن يستعيد الثقة في هذا الميدان، بصفته مدافعاً أساسياً عن قضية المرأة ومساواتها والوصول بها إلى مصاف القضايا الستراتيجية لنضال حزبنا الجماهيري.

ظاهرة انتشار الفساد في جسم الدولة والمجتمع

رغم كل المواقف التي اتخذها الحزب في المواقع التي يشغلها في بعض مؤسسات الدولة وفي اللقاءات مع المسؤولين المعنيين، وفي مجال النشر، غير أنه لم يتمكن من تطوير الأداء السياسي الطبقي للحزب، والارتقاء بشكل ملموس إلى المستوى المطلوب.. فنشاط رموز الفساد بكل أشكاله أدى إلى إفساد الكبار للصغار وحمايتهم تارة وتقديمهم كبش فداء تارة أخرى، مما أسهم في تصدع قيم النزاهة والاستقامة في البلاد، وظاهرة الفساد كما هو معلوم ظاهرة اقتصادية اجتماعية، سياسية، ومكافحتها تتطلب جهود كل الوطنيين من أبناء شعبنا من خلال إصلاح سياسي وقوانين ديمقراطية ورقابة شعبية وإعلامية، ومحاسبة جادة.. ولابد من رفع مساهمة الحزب في السياسة العامة وفي الدفاع عن الحريات الديمقراطية والتصدي لهذه الظاهرة الخطيرة.

والسؤال: ما مدى إمكانية أحزاب الجبهة وقدرتها على التفاعل في الشارع السياسي السوري، وفي الحياة الاقتصادية والاجتماعية؟ ألا يتطلب هذا إصدار ميثاق للجبهة يتناسب مع متطلبات المرحلة التي تمر بها البلاد والمنطقة، بما يحقق للأحزاب المشاركة أن تكون مشاركاً فعلياً في رسم السياسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فميثاق الجبهة الحالي قد مرّ على إصداره أكثر من أربعة عقود؟

القضية الاقتصادية الاجتماعية

مرت سنوات طويلة وشعبنا يعاني وينتظر حلولاً لعدد من أهم مشاكله المعيشية التي يأتي في مقدمتها مخاطر التوجهات الرأسمالية في الاقتصاد الوطني، والعمل باقتصاد السوق الحر، والتضييق على القطاع العام وعرضه للاستثمار الخاص أو بيع مؤسساته.. هذا القطاع الهام الذي يحلم الطفيليون منذ عقود بتصفيته.. إضافة إلى الهجوم الكبير على المكاسب التي تحققت والدعوة الصريحة لتخلي الدولة عن دورها الرعائي، وتمر البلاد بأزمة اقتصادية- معيشية نتيجة الأزمة العميقة التي تعيشها، وتعثّر عملية التنمية، وقد تضمن مشروع التقرير الاقتصادي الاجتماعي عرضاً لهذه الأزمة ومقترحات للحل.. فارتفاع الأسعار والخلل الكبير بين الأجور والأسعار يزيد من معاناة المواطنين ويحملهم أعباء إضافية، وتعيش الجماهير الشعبية الكادحة حالة الفقر المدقع الذي غدا حقيقة مؤلمة، فالبطالة تنتشر انتشاراً واسعاً في البلاد وتصيب الألوف من شاباتنا وشبابنا وبخاصة الخريجين منهم الذين يعيشون حمى البحث عن العمل.. وأكثر ما تواجهه سورية حالياً ومنذ سنوات هو النزوح الهائل الذي لا مثيل له في أي بلد منذ الحرب العالمية الثانية.. هرباً من الإرهاب ومن أجل الحصول على عيش كريم.

وحدة الشيوعيين السوريين تشكل الوحدة هاجساً كبيراً لكل الشيوعيين السوريين، وهي استجابة لرغبة مشروعة لمختلف القطاعات وميادين النشاط.

لقد بذل حزبنا جهوداً هامة في هذا المجال، ورأى في العمل المشترك أرضية مناسبة للتقارب.. وترى جماهير الحزب أهمية تنشيط حوارات جادة بين الشيوعيين لتقريب وجهات النظر والمواقف، وتوحيد النضال تمهيداً لإيجاد إطار ما للوحدة.. ولابد من رؤية موضوعية تتضمن اتجاهاً واضحاً ومهام محددة.. فالشيوعيون السوريون حين يتحدون سيكونون أكثر قدرة على القيام بواجبهم الوطني في إطار تنظيمي واحد متحرر من قيود الماضي كما يجب، ما لم يصبحوا ، ووحدتهم شرط أساسي من شروط التقدم بالنضال الديمقراطي في البلاد.. ولابد من صيغ ديمقراطية تربط بين الفصائل ومكونات الوحدة تكون أساساً لحزب سياسي يجسد في تكوينه وحياته الداخلية القيم الإنسانية المطلوبة لتجديد الحركة الشيوعية السورية من أجل تعزيز الجبهة الداخلية للبلاد ومعالجة الوضع المعيشي ومحاربة الفساد.

جبهة واسعة لقوى اليسار

نحن أمام هجمة رجعية بالفكر والسياسة والاقتصاد، ومحاولة إلغاء كل ما هو تقدمي ويحقق مصلحة الجماهير، وما يدور ويمارس من أفكار ومظاهر وعادات وتقاليد ظلامية يضع اليسار السوري كله أمام مسؤوليته التاريخية ليشكل اتجاهاً تنويرياً وعلمانياً.. ومن هنا ضرورة استكمال ما قام به حزبنا بالسعي مع الأحزاب الديمقراطية الأخرى، إلى توحيد قوى اليسار في تيار واسع قوي للتصدي للأعداء الداخليين والخارجيين من أجل تشكيل جبهة عريضة مناهضة للمشروع الإمبريالي الأمريكي في المنطقة، وكذلك مناهضة كل الأمراض الاجتماعية كالفساد والبطالة والفقر، فهذا يمهد لانطلاقة جديدة في العمل الوطني على الساحة السورية.

نأمل أن يكون مؤتمرنا مناسبة لمعالجة هذه المشكلات التي تنتظر الحل، وأن يكون جردة حساب وفعل أمل كبير بالتغيير.

العدد 1104 - 24/4/2024