«دكان النغم»

صوت يناديك، ويأخذك الحنين إلى شوارع دمشق القديمة، تتجول في أزقتها، وعندئذٍ يبدأ قلبك يعزف أوتار الحياة، وتزداد نبضاته كلما مشيت خطوة، ترى الياسمين وقد زيّنت أغصانه جدران البيوت، لينعكس هذا الصفاء في داخلك ويقودك إلى اللاعودة، فبمجرد أن تدخل إلى هذه الشوارع تتمنى أن تبقى فيها وتكتشف أسرارها وقصصها المخفية وراء كل بيت، فالشام تحب من يعشقها وتبادله العشق، العشاق الذين عاشوا معها وعاشت بهم، ربما السر في دمشق هو الماء والهواء، بل الإنسان هو السر الأكبر، لأنه لا يعرف المستحيل.

حين تتابع مسيرك في الزواريب باحثاً عن حكايات مخفية وراء الجدران، تشدك موسيقا من حارة عتيقة..عتيقة، جانب قهوة النوفرة، فتتبع الصوت، وتبتسم حين ترى (دكاناً صغيراً) فيه آلات موسيقية متنوعة، تتأمل مسرعاً ويستوقفك المشهد لترى (العم أبو غسان) صاحب (دكانة النغم) وتستمتع كيف يلاعب الريشة على أوتار عوده.. إنه يهوى العزف السماعي بشغف قل نظيره، فتشدك أوتاره لسماع معزوفات اللحن الشرقي الأصيل، وببساطة وعفوية يحدثك عن قصص شتى، ويجذبك للحديث معه من دون تكلف، حتى لو لم يعرفك من قبل، فالذي يجمعك به هو الموسيقا (دكانة النغم)، وكم تحمل من الحب والفن، تراودك العودة إليها مرة ثانية لأهميتها الفكرية والتراثية، وعراقتها وعمرها الذي تجاوز ثلاثين عاماً.

يحدثنا العم عن مدى أهمية سماعنا لموسيقا تحمل في طياتها اللحن والكلمة التي لها وقعها الخاص في النفس، والتي نتباهى بها في شامنا، فمنذ الصباح تصدح أغاني فيروز لتقول للعم أبو غسان (بعدك على بالي)، فيرد عليها ويقول: (ياليل الصب متى غده) يعود بعدها إلى عبد الوهاب وأم كلثوم، ويؤكد كم لهذا الغناء الشرقي من أثر على الإنسان والمجتمع، كي يبقى في اتزانه، وليحافظ على الكلمة الحلوة واللحن الأصيل دون تشويه.

الموسيقا لغة العالم الوحيدة التي تفهم من خلال السمع دون تلقين، وتعتبر مادة أساسية في مناهج العديد من المدارس في العالم، إضافة إلى المتعة التي نحصل عليها، فهي تترك في النفس أثراً لا يمحى.

قال (جبران خليل جبران): (الموسيقا ابنة الملامح الصامتة، ووليدة العواطف، إنها لغة النفوس التي تطرق أبواب المشاعر).

دكانة النغم ترسل لكم أنغامها مع ذرات الهواء فاسمعوها

العدد 1104 - 24/4/2024