من الصحافة العربية العدد 690

واشنطن والرياض..المقايضة المعطلة

في بعض دوافع عاصفة الحزم أنها كانت رداً سعودياً على (تراخي) واشنطن مع طهران، وصولاً إلى حدّ إنهاء النزاع حول الملف النووي. في ظل الحركة الدبلوماسية الناشطة، هل ثمة إمكانية للبناء على اتفاق فيينا لإيجاد حلول لأزمات المنطقة، ومنها أزمات اليمن وسورية؟ لقاء القمة بين العاهل السعودي والرئيس الأمريكي، الذي خاض معركة شرسة مع نتنياهو دفاعاً عن الاتفاق مع إيران، يأتي في هذا السياق. الرئيس أوباما فتح ملف العلاقات الأمريكية ـ الخليجية متناولاً مسائل غير مألوفة، تتجاوز التسلّح والدفاع عن أمن الخليج، هذا مع العلم أن التزام واشنطن بأمن الخليج من ثوابت السياسة الخارجية الأمريكية.

لأزمات المنطقة أسباب متعددة. وبعد اندلاع الحروب بات لهذه الأزمات وظائف محددة لأطراف الداخل والخارج. حالتا اليمن وسورية لا رابط جغرافي أو سياسي مباشر بينهما سوى الرابط الخارجي. الخليج العربي وجارته اليمن يدوران تاريخياً في فلك سياسي مختلف عن دول المشرق العربي. ففي حرب اليمن في الستينيات وفي زمن اليمن الجنوبي، ارتبطت أحداث البلاد بالعالم العربي عبر الصدام بين مصر والسعودية، والاتحاد السوفييتي والأحزاب العقائدية في ما يخص اليمن الجنوبي.

انقسامات اليمن عميقة الجذور، قبلياً ومناطقياً وسياسياً ومذهبياً. ولسورية مسار مختلف منذ نشوء الدولة في عشرينيات القرن الماضي إلى اليوم. في اليمن إمكانية إنهاء النزاع متاحة في مرحلة ما بعد اتفاق فيينا. لليمن أهمية كبرى بالنسبة إلى الرياض لأسباب معروفة، إلا أنه أقل أهمية بالنسبة إلى طهران أو واشنطن. ولا استنفار دولياً حول اليمن أو أزمة لاجئين، مثلما هي الحال في سورية. أزمات اليمن سابقة للربيع العربي ولاتفاق فيينا ولتقلبات الرئيس السابق علي عبدالله صالح وسواه من أطراف النزاع. تنظيم (القاعدة)، عدو واشنطن الأول في اليمن، يُشغل بال الإدارة الأمريكية قبل الأحداث الأخيرة، أكثر من اليمن بحد ذاته. أما الحوثيون، فلا يسعون إلى نقل حراكهم إلى دول الجوار، إلا أنهم مصممون على رد الاعتداء. علاقتهم بإيران حديثة العهد نسبياً وفيها من المرونة ما يكفي لحفظ ماء الوجه للأطراف المعنية إذا انطلقت مبادرة جدية لإنهاء النزاع.

حروب سورية جاءت في آخر سلسلة تحولات الربيع العربي، وهي بالغة التعقيد في أبعادها الداخلية والإقليمية والدولية. في الداخل خطوط التماس مبعثرة ومتحركة والميدان العسكري سيد الموقف. إقليمياً، يكفي أن سورية تجاور تركيا أردوغان وإسرائيل نتنياهو، هذا فضلاً عن الصراعات العربية على سورية.

أما دولياً فالأزمة السورية استعادت بعض ملامح الحرب الباردة، ولا يبدو أن موسكو في وارد التخلّي عن موقفها الداعم للنظام، خصوصاً أن النزاع بين واشنطن وموسكو في أوكرانيا وأوربا لم ينته فصولاً بعد. الرئيس أوباما لا يريد زجّ بلاده في حروب المنطقة بعد مغامرات سلفه في العراق، إلا أن واشنطن حائرة بين موقفها المعارض للنظام والحاجة إلى تجنب الفراغ في السلطة، مثلما حصل في العراق. وتصل الأمور إلى حد الهذيان مع رهان واشنطن على فرق عسكرية من (المعتدلين) لمواجهة (داعش)، والاعتدال بنظر البعض يشمل أيضاً (جبهة النصرة) المرتبطة بالقاعدة. والمشهد يزداد تعقيداً مع التنظيمات التكفيرية التي حوّلت سورية ساحات قتال باسم الدين منذ 2011 بدعم عربي وتركي. أما إيران، الدولة الأكثر دعماً للنظام السوري، فعلاقاتها الاستراتيجية مع دمشق انطلقت قبل أربعة عقود من الاتفاق النووي، وهي ليست بصدد فك ارتباطها بالحليف العربي الأكثر وثوقاً.

المقارنة بين اليمن وسورية جائزة بسبب تزامن أحداث البلدين. وما عدا ذلك فلا مشترك بينهما، والمقايضة معطلة في إطار سلة حلول متداخلة للأزمتين. الاختلاف كبير في طبيعة الأزمتين وفي تداعياتهما الإقليمية. كما أن مصالح الدول الإقليمية المعنية والدول الكبرى غير متطابقة في كلا البلدين، وهي غير متوازنة لجهة الأهمية الاستراتيجية بالنسبة إلى أطراف الخارج. لاستقرار اليمن مردود إيجابي على دول الخليج، بينما استقرار سورية ممر إلزامي لاستقرار المنطقة. اليمن في أزمة متواصلة قبل الوحدة في 1990 وبعدها، بينما أزمة سورية وتأثيرها في موازين القوى الإقليمية بدأت منذ أربع سنوات ولا تزال في عز شبابها.

(السفير12/9/2015) 

العدد 1107 - 22/5/2024