الخيال العلمي ضرورة تربوية

 لم يعد كافياً أو مقبولاً أن تكون المناهج انعكاساً فقط لما يجري حولنا، فالتطور الكبير في شتى مجالات العلم والمعرفة وظهور الاكتشافات العلمية أثّرا في ترسيخ الاتجاهات التربوية المعاصرة، وتركيزها على الطفل باعتباره محور العملية التعليمية. والخيال العلمي هو أحد هذه الاتجاهات التي يمكن أن تنقل المفاهيم العلمية للطفل بأساليب مشوقة من خلال أحداث القصص والأفلام والشخصيات والأفكار وطبيعة الموضوعات التي تتناولها، فأيهما أفضل اليوم: أن أقدم مفاهيم عن المجالات الطبية والإمكانات الخارقة لأشعة الليزر أو رحلات الفضاء وغيرها من مواضيع ضمن مناهج دراسية شبه مفروضة على المتعلم، مما يعرضها للنسيان، أم أقدّمها على شكل قصة أو فيلم يتحدثان عن تلك القدرات، فيستوعبها المتعلم دون ملل؟

 في الحقيقة من دون خيال لا يوجد إبداع، وهذا من الثغرات التي تعاني منها نظمنا التعليمية هذه الأيام، فالأنشطة المدرسية وبخاصة في مجال العلوم تعتمد على المعلم، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لا توجد نواد علمية ملحقة بالمدارس تمكّن المتعلم من ممارسة أنشطة علمية حقيقية ذات خطة محددة الأهداف والبرامج، كتصميم أجهزة وأدوات علمية وبسيطة من الخامات المتاحة بالبيئة، ولا يُحثّ المتعلم على توظيف القراءات الإضافية والتعلم الذاتي في تعلم العلوم وتنمية الخيال العلمي وقراءة الكتب والمجلات العلمية لمتابعة الاتجاهات والتطورات الحديثة في العلم والتكنولوجيا، فأين الأسئلة التي تتحدى تفكير المتعلم وتثير اهتمامه نحو الخيال العلمي؟ وأين الرسومات التي تعبر عما يدور في أذهان التلاميذ والطلاب من خيالات وتصورات؟ هل طُلب منهم أن يضعوا تصوراتهم حول ما ستكون عليه وسائل المواصلات في المستقبل، أو شكل منازل المستقبل، أو كمبيوتر الحواس البشرية أو ..أو  الخ؟

 كثيرة هي الدراسات والأبحاث التربوية التي بينت أن الخيال العلمي ينمي أسلوب التفكير العلمي، ويزيد من قدرة الأطفال والمتعلمين على إدراك المفاهيم العلمية واستيعابها، كما يسهم في إيجاد اتجاهات إيجابية لديهم تجاه العلم والعلماء، ويساعدهم على الابتكار والبحث عن حلول غير تقليدية، وينمي لديهم حب الاستطلاع، والجوانب الانفعالية، بمنحهم الفرصة لاكتشاف الحقائق وإثارة الاهتمام والتعلم بأنفسهم، ويدفعهم إلى الاستجابة للتغيرات والتطورات المعاصرة في ظل عالم سريع التغير.

 اليوم نحن بحاجة إلى تهيئة الفرص لعقول أطفالنا لاستخراج النتائج من الحقائق المتفرقة، والتقدم بالعقل نحو المجهول لتوجيه تصورات أطفالنا وآمالهم نحو مستقبل أفضل يحميهم من الإصابة بما يسمى الاغتراب العلمي أو صدمة المستقبل، عندما يقارن بين ما تعلمه وما هو كائن من تطور، لذا لابد من الاهتمام المتزايد بتدريس العلوم ومناهجها وطرائقها وتنمية الخيال العلمي لدى أطفالنا لتخريج جيل مؤهل تأهيلاً كافياً للتعامل مع التقنيات المتقدمة في الحاضر والمستقبل، وأن توضع مناهج وأنشطة التعلم في إطار مستقبلي يكسب الأطفال معارف حول التطور الزمني للأجهزة والأدوات والاختراعات وإجراء التجارب العلمية وغير ذلك.

العدد 1105 - 01/5/2024