وسط تنامي الطبقية كل المدن هي «فايت كلوب»

 تمحور فيلم (فايت كلوب: نادي القتال) من بطولة براد بيت وإدوارد نورتون، سيناريو تشاك بولانيك وإخراج ديفيد فينشر، حول العنف، لكنه ليس العنف بمفهومه التقليدي، بل هو أشبه بردود الأفعال العنيفة التي يبرزها حيوان بري أو طائر إزاء من يحاول وضعه داخل قفص. إنها نزعة طبيعية إزاء محاولات امتطاء المنظومة الرأسمالية والطبقات العليا في المجتمع التي تصنع السياسات والأنماط الحاكمة لحياة الأفراد، نزعة طبيعية للإنسان بغية استعادة جزء من هويته الإنسانية الطبيعية المفقودة.

قد نعتقد أن بطل الرواية مازوخي، لكن سرعان ما يتبين أنه يعاني من اضطرابات نفسية وبمجرد أن نعتقد أن نزعته لاستخدام العنف جزء من أعراض الاضطرابات النفسية، يتضح أن العنف الذي تمارسه شخصية (تايلر) التي خلقها بطل الفيلم حين أصيب بالانفصام، هذا العنف الممارس هو أقرب إلى التطهر وآلية دفاع طبيعية للنفس البشرية في مواجهة محاولات تشويهها من قبل المنظومة الرأسمالية.

تعمد القائمون على الفيلم طرح العنف كظاهرة طبيعية مُقبلة، ظاهرة غير مَرَضيّة، وأرى في ذلك نظرة طوباوية، فأنا عن نفسي لست أشكك بأن انتشار العنف في العالم ابتداءً من العنف الأسري وصولاً إلى الحروب الأهلية مردّه بشكل أو بآخر أنماط الحياة الاستهلاكية التي دفعتنا الإمبريالية العالمية للانغماس فيها، ولعل الغالبية العظمى من اللصوص في العصر الحديث ليسوا فقراء أو جياعاً أو محتاجين بل هم أناسٌ يرغبون باقتناء أشياء أكثر فخامة وجمالاً، مما بين أيديهم، ولكنني أشكك بوجود العنف الشعبي الرحيم أو الحكيم أو الذي يتخذ مبدأ جلد الذات لتحفيزها على الثورة. ولعل الفيلم يُنبئ بتضاعف العنف في المجتمعات التي تهيمن عليها طبقة الأثرياء ويعامل فيها الإنسان كحيوان داجن في مزرعة.

تعمد كاتب الفيلم أن يقدم لنا جرعات من المنطق الذي يبرر أجزاء من تحفظ بطل الفيلم واستيائه بل وغضبه من المجتمع، ذلك أنه يريدنا أن نرى العنف الذي تمارسه هذه الشخصية كرد فعل فطري نابع من عمق النفس البشرية، وليس من إدراكها الواعي، إدراكها عبر المنطق العقلي فقط.

 أداء الممثلين جاء بسوية عالية ولا مجال لتناول الجوانب الفنية المرافقة، لأننا محكومون هنا بعدد كلمات محدد.

وقد جاءت شخصية البطل شخصية مركبة وتتمتع بشيء من الوعي والنظرة العميقة الفاحصة، أي أنها ليست شخصية بسيطة مستقرة، مما يجعلنا نستبعد كونها ستنفصم، فهي بعيدة عن الشخصيات التي سبق أن قدمت لنا في أفلام الانفصام.

العدد 1105 - 01/5/2024