العمل من المنزل خطوة لتخفيف الهدر الحكومي

تشكل أرقام الهدر على المستوى الوطني نسباً كبيرة تراوحت عام 2010 وفق بعض الإحصائيات بين 35و40% من الناتج المحلي الإجمالي، الذي قدر بحوالي 2714 مليار ليرة خلال 2010 وبالتالي تتراوح قيمة الهدر على مستوى كامل الاقتصاد السوري بين 678 ملياراً و1085 مليار ليرة، كما تشير التقارير أن حجم الكتلة النقدية للفساد وما يسمى الهدر المالي تجاوزت في 2010 عتبة 25 مليار ليرة سورية وسط مؤشرات على تزايدها باستمرار، مع غياب المعالجة الواقعية وتفشي ثقافة الهدر الموجودة، وغياب الأرقام والدراسات الفعلية عن هذه المشكلة الكبيرة وأسبابها، وهو ما أثر تأثيراً كبيراً على مؤشر التنمية وأرهق الخزينة العامة للدولة. تجدر الإشارة إلى أن الهدر المالي هو مقدار الضياع الحاصل للمال من قبل الجهات المسؤولة عنه، لأسباب مختلفة، دون صرفه في محله نتيجة لعمليات الفساد المالي، مما يؤدي إلى قصور في الإنجاز أو في جودة التنفيذ.

أما أوجه الهدر الحكومي فلا حدود لها، وهي متشعبة وكثيرة ولا تخدم المصلحة العامة، ومعظمها ناتج عن الإهمال وسوء الإدارة، وكل ذلك تجلى خلال الأزمة الراهنة التي تعصف بالبلاد مولدة تداعيات اقتصادية تحتم علينا التحرك دون بطء لمنع مظاهر الهدر على اختلاف أنواعه وأشكاله، سواء المالي أو الطاقوي أو الهدر في العمليات، فضلاً عن تبديده أهم ما لدينا من إمكانات وهي الوقت والفكر والجهد البشري، بالتزامن مع سوء استخدام الموارد المتاحة،  كما يمكن عدّ البطالة المقنعة وتوظيف أشخاص لاحاجة إليهم وتقاضيهم رواتب من دون عمل يقدمونه نوعاً من الهدر الحكومي.

إن كل ذلك إضافة إلى عوامل أخرى ينعكس على إنتاجية المؤسسات ويرفع تكاليف الخدمات أو السلع التي تقدمها، ويكبد خزينة الدولة وجيوب المواطنين المهترئة أعباء كبيرة، وهنا تبرز ضرورة العمل على ضبط حركة المال العام لمواكبة تحديات المرحلة الراهنة.

فمثلاً تعتبر نسب الهدر في قطاع الكهرباء بسورية من أعلى النسب في العالم، وتكلف خزينة الدولة ما لايقل عن ملياري دولار سنوياً، ويتجاوز وسطي الهدر السنوي في قطاع الطاقة الكهربائية في سورية بالكمية والقيمة مجمل الاستهلاك المنزلي للطاقة الكهربائية، ويعزى قسم كبير من الهدر إلى الشبكات القديمة أو الحديثة ذات المواصفات المتدنية وهو ما يسمى الفاقد الفني، ولا تقل نسبته عن 17% من مجمل إنتاج الكهرباء في سورية، فيما يتحمل القطاع العام القسم الأكبر الآخر من الهدر.

ووفق دراسة لوزارة الكهرباء فإن نسبة الهدر المثبتة في دمشق هي 35%، وتتجاوز ذلك في بعض المحافظات لتصل إلى 40%، وبحسب وزير الكهرباء عماد خميس فإن نسبة الهدر في الطاقة الكهربائية تبدأ من 10% وتصل إلى 70%، كما أن استثمار الفاقد لمدة عام واحد، يكفي لإعادة هيكلة قطاع الطاقة الكهربائية في سورية وتطويره والخروج من أزمة الحاجة إلى الطاقة، وبالنسبة لكلفة إنتاج الكهرباء في سورية فقد أشارت بعض الدراسات إلى أنها أغلى بثلاث مرات من تكلفة الإنتاج العالمي للكهرباء، ما يعني أن الهدر مرتفع.

ولا يقتصر الهدر الإقتصادي على الفاقد في الكهرباء فقط، بل وفي المياه أيضاً التي تتجاوز نسبة الفاقد فيها 25% من الإنتاج، وتتبلور هذه النسبة من خلال شكلين، الأول يرتبط بالهدر غير الحقيقي أو الضياع غير الفيزيائي أو غير الملموس لمياه الشرب، وهو كمية المياه الزائدة عن الحاجة المستهلكة ضمن المنزل والمؤسسات، وهي مسألة ترتبط بسلوك الأفراد، أما الشكل الثاني فهو الهدر الحقيقي للمياه في أنظمة التزويد من المصدر حتى المستهلك نتيجة خلل في إحكام ضبط المياه، بسبب تآكل الأنابيب واهترائها وقدمها أو عدم تركيبها بشكل جيد.

ولكن في ظل ارتفاع معدلات الهدر التي استنزفت أموال الحكومة وأهدرتها في أماكن غير الأماكن التي تحتاجها، أليس بالإمكان إجراء خطوات تقلص من الهدر في العمليات والموارد والوقت، وتحقق أرباحاً وعوائد مالية..!.

اقتراح ولكن

في خطوة أولى للحد من الهدر في مؤسسات الدولة، يمكن أن يسمح للموظفين – الذين لا تتطلب أعمالهم تنفيذها من المكتب – القيام بعملهم من المكان الذي يرونه مناسباً من المنزل أو خلافه، وهو ما يخفف من النفقات كثيراً ويساهم في الحد من توفير الطاقة، كإنارة المكاتب وأنظمة التدفئة والتكييف والمحولات وصيانتها والتوفير في الوقود، مع الإشارة أن ترشيد كل كيلو واط ساعي يوفر كيلو غراماً من الوقود، كما أن العمل من المنزل يسهم كثيراً في حل مشاكل الازدحام المروري، ويقلل من تكاليف إدارة أماكن العمل، لأن المساحة التي سنحتاجها لاحتواء الموظفين ستكون أقل، ووفق دراسة بريطانية نشرت في العقد الماضي، يمكن للعمل من المنازل أن يوفر كثيراً خاصة من ناحية المواصلات، مشيرة إلى أنه لو عمل 15% فقط من القوة العاملة في بريطانيا من منازلهم لا من المكاتب، لأمكن توفير أكثر من 10 بلايين جنيه استرليني كل عام، وذلك بدل مواصلات فقط، وهو ما نسطيع الاستفادة منه اليوم خاصة بعد موجات الغلاء الكثيرة التي لم يعد الدخل قادراً على مواجهتها.

هو اقترح حل قد يجده الكثيرون غير مألوف في مجتمعنا السوري، ولكننا بحاجة لنبحث عن حلول بديلة في ظل ضعف موارد خزينة التي تعوضها الحكومة دائماً من جيوب الفقراء وذوي الدخل المحدود، ودعونا نقدم لهذه الشريحة تسهيلاً ولو جزئياً يخفف من نفقاتهم، ومن ناحية أخرى هي خطوة تتيح لنا أن ننطلق إلى فضاء أوسع من حرية الإبداع بعيداً عن قيود البيروقراطية الإدارية التي نمقتها جميعاً، فهل يتحقق ذلك؟ أترك الإجابة لكم.

العدد 1105 - 01/5/2024