هجرة السوريين أم تهجـيرهم؟

 تتوالى أخبار المآسي التي يتعرض لها السوريون، فمن خبر مقتل 76 شخصاً في شاحنة نقل لحوم مجمدة مركونة على الطريق السريعة في النمسا، إلى صورة الطفل إيلان على شاطئ البحر، وأول من سرب هذه الصورة هي مراسلة (الواشنطن بوست) في بيروت، وكان لهذه الصورة وقع خاص وانتشرت كانتشار النار في الهشيم، وتلقفتها وسائل الإعلام العالمية استعراضاً وتهويلاً كالدعاية لأفلام (الأكشن) الأمريكية، والمبادئ الإنسانية الجميلة.

(سجّل يا تاريخ)! إنها قضية هجرة السوريين في القرن الحادي والعشرين، ومن خلال هذه الدعاية سُلّط الضوء على أبرز تداعيات الأزمة السورية عموماً، واشتعلت عواطف الحكومات الأوربية محبة، واستيقظت إعلامياً إنسانيتها، متناسية دورها في التخطيط والتنفيذ على الأرض بدم بارد عن سابق الإصرار والترصد.

ونعتقد أن الدراسات والأبحاث الأكاديمية حول مفهوم الهجرة ومصطلحاتها ونظرياتها لا تنطبق على تهجير السوريين، لأن السوريين يتعرضون لعملية تهجير ممنهجة ومدروسة، وتطبّق خطواتها بدقة وإتقان.

 

بعد أربع سنوات من التدخل ودعم المجموعات المسلحة، اتضح إصرار الشعب السوري على الدفاع عن أرضه وتاريخه، فأخرج الغرب من جعبته، وخصوصاً أجهزة المخابرات الأمريكية، ما يسمى الخطة (ب) في إصرار واضح على تنفيذ مخططاتها، والهدف من هذه الخطة المزعومة هو تفريغ الجمهورية العربية السورية الفتية من كوادرها العلمية والفنية، وخاصة الشباب، وما التركيز على تدمير المدارس والمعاهد والجامعات والمعامل وتخريب البنية التحتية وقطع الطرقات وانتشار عصابات السلب وشيّ الأطفال وذبحهم على يد عصابات داعش وأخواتها، وسياسات الترحيل والتهديد، وإمطار المناطق الآمنة والمستقرة بالهاون المجنون، إلا جزءاً من مخطط خبيث.

أمام هذا الواقع ما هي الخيارات أمام السوريين؟

كان الخيار الأول هو التهجير القسري إلى دول الجوار، أو المدن الأكثر أمناً والواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية، على أمل العودة في أقرب فرصة بعد القضاء على العصابات الإرهابية التكفيرية أو بعد رحيلها. وبعد استمرار الأزمة لأكثر من أربع سنوات، وفقدان الأمل بإنهاء الأزمة سريعاً، وإعلان أمريكا وإسرائيل جهاراً نهاراً أن الأزمة السورية ستطول إلى سنوات بل عقود من السنوات.. وأمام ما يعانيه المهجّرون السوريون قسراً في مخيمات الإيواء أو اللجوء أو غيرها من المسميات، من إذلال واستغلال ومتاجرة بالبشر وبأعضائهم، وخاصة من الأطفال والنساء، وحتى من كانوا يقيمون في هذه الدول قبل الأزمة تعرضوا لمضايقات في الحركة والتنقل والعمل والاستدعاءات الأمنية والتوقيف من دون توجيه أي تهمة، كل ذلك ترافق مع تخلي بعض المنظمات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة عن تقديم المساعدات كلياً أو جزئياً، ونعتقد أن كل ذلك لا يجري بمحض المصادفة أو لأسباب موضوعية، إضافة إلى نشوء مجموعات وعصابات للتهريب والمتاجرة بالبشر، يجوبون البحار والدول الأوربية ليلاً ونهاراً.

فهل عجزت الدول الأوربية بإمكاناتها الكبيرة، عن ضبط هؤلاء؟ لا نعتقد!

تشكو الدول الأوربية منذ عقود تناقص النمو السكاني، وبعضها بدأ عدد سكانها يتناقص، وأصبح هرمها الديمغرافي يتوسع في الأعلى، ومن السيناريوهات التي تطرحها، أن المفوضية الأوربية تعتزم تعديل السياسة الخاصة باللجوء والهجرة في أوربا، وذلك بالعمل على نظام يضمن التوزيع العادل للاجئين على دول الاتحاد الأوربي كافة، وما يسمى (بصمة تركيا) هو اتفاق أوربي تركي بخصوص اللاجئين، وكذلك ما يسمى (مشنغن) من دون بصمة، أو ببصمة، ورفض بعض الدول التبصيم وتعريض السوريين للمفاجآت والابتزاز، هذه كلها خطط معدة سلفاً ومتفق عليها، لتبرير ما يقال عن سياسة استيعاب 5 ملايين سوري، لسد العجز، وهؤلاء سيصبحون أوربيين (من أصول سورية) بعد التدقيق والتمحيص، لأن السوري يمتلك مواصفات الثقة والتعلم والإبداع، وجذر تاريخي وغيرها.. وذلك باستغلال (البروبوغاندا) الإعلامية والتباكي على المهجرين السوريين، حتى أن شبكات التواصل الاجتماعي غصّت بصور (ميركل) وتباكيها على السوريين؟!

هذه القضية طرحت على نطاق واسع داخلياً وخارجياً، رغم أنها سياسية بامتياز، وقد يجري استغلالها لتغير مواقف الحكومات الغربية من الأزمة والبدء بـ(تكويعة)، وربما تكون التصريحات النمساوية والبريطانية وغيرها هي البوابة.

ويمكن أيضاً أن تستغل لخلق توازنات جديدة في المجتمع السوري، وإحراج الأوضاع الاقتصادية في سورية أكثر فأكثر من خلال زيادة الطلب على القطع الأجنبي وغيرها.

استمرار الأزمة لا يعفي الحكومة من مسؤولياتها ومواجهتها بشفافية وجدية، سواء لجهة إيجاد حلول للمطلوبين لخدمة العلم، أو الاحتياط، وتأمين فرص عمل، وإعادة المهجّرين، وتأمين الملاذ الآمن والحياة الكريمة.

وقد علمنا أن حكومتنا العتيدة درست مؤخراً موضوع المهجرين، وشكلت لجنة وزارية لبحث المشكلة ووضع الحلول المناسبة والناجعة، فهل ننتظر دخاناً أبيض سريعاً؟!

العدد 1105 - 01/5/2024