سهـل الغاب… عـين العاصفة

 إن التقدم الكبير الذي حققته تركيا في المؤشرات الاقتصادية والتنموية، واستلام السلطة التركية من قبل حزب العدالة والتنمية ذي الميول الإسلامية، دفع تركيا إلى التفكير العملاني نحو التوسع باتجاه المشرق العربي الذي وقعت فيه ثورات (الربيع العربي)، التي أدت إلى حدوث فراغ استراتيجي واسع فيه. أخذت تركيا بشكل عام دوراً وظيفياً بالتعاون أو الاستقلال النسبي العالي عن الولايات المتحدة من جهة، والاستقلال الكامل عن المملكة العربية السعودية وإيران من جهة أخرى، مُستغلةً شروط الأزمة السورية بما يتناسب ومصالحها العليا، نحو هدف واحد محدد، هو نفوذ تركي صريح في النظام الحاكم الجديد المُفترض لسورية. أو السعي الجدي لاستقطاع أجزاء من الأراضي السورية -إن أمكن- على نموذج شمال قبرص، يتحول مستقبلاً إلى جزء لايتجزأ من تركيا، تشغله بنية ديموغرافية إسلامية منسجمة، لايكون فيها قدر الإمكان أي مكونات طائفية أخرى بما فيها طائفة (المرشديين). بالفعل قامت تركيا باحتلال فعلي مبطن لمنطقة جبل التركمان في شمال غرب سورية، مُستخدمة عناصر تركمانية سورية ومهاجرين إسلاميين جهاديين أغلبهم من القوقاز. وجرى هذا الاحتلال المبطن رغم امتعاض الدول الكبرى خاصة الولايات المتحدة وروسيا. بالطبع لم تكن

تركيا لتستطيع أن تتلاعب في مصير الدولة السورية لو لم يكن هناك فقر معرفي وبيئة ثقافية تخلفية تحكم الوعي الاجتماعي للمجتمع السوري، سبّبته خلال العقد الماضي مجموعة من السياسات الحكومية غير المدروسة وشخصنة للقرارات المصيرية.تؤدي مؤشرات عديدة إلى الاستنتاج ان هناك علاقة بين (جبهة النصرة) وتركيا، فالبيان الذي أصدرته (جبهة النصرة) المؤيد لإنشاء تركيا (منطقة آمنة) في شمال سورية، بشير بقوة إلى هذا التحالف. وبحسب تقرير لرويترز فإن (جبهة النصرة) كانت قد أخلت مواقع تريدها تركيا مناطق عازلة بشمال سورية. ومن المفترض أن المتابع للشأن السوري يلاحظ هذه العلاقة، إذ على سبيل المثال، أشارت محطة (سكاي نيوز) الدولية بتاريخ 10 آب إلى أن تركيا سلمت 6 مقاتلين أكراد كانوا مصابين إلى (جبهة النصرة). من الواضح أن تركيا تعمل بشتى لوسائل لمنع تشكيل دولة كردية في شمال سورية، في مقابل تقديم تركيا وسائل الدعم اللوجستي والعسكري لعناصر هذه الجبهة الأصولية. أكثر من ذلك، هناك قبول لدى معظم المجموعات الأصولية المسلحة الأخرى التي تقاتل في الشمال السوري ضد الجيش السوري وليس (جبهة النصرة) فقط، لقيام تركيا بتنفيذ ما تسمى (منطقة آمنة)، في تقاطع وتحالف ضمني وصريح بينهما. وتنضوي هذا المجموعات الفاشية تحت ما يسمى (جيش الفتح) ومنها: (جيش المجاهدين)، (ألوية الفرقان)، (لواء صقور الجبل)، (حركة نور الدين زنكي)، (لواء السلطان مراد). ويعتبر (لواء السلطان مراد) المجموعة الأكثر ارتباطاً بتركيا والأكثر علانية من الجانب التركي في دعمه. حيث قام في بداية هذا العام مايسمى (حزب النهضة السوري التركماني) عبر الإعلان الورقي وعبر الميديا الإذاعية في تركيا، بالإعلان شبه اليومي عن قبوله طلبات التسجيل لتطويع الشباب التركماني للخدمة داخل (المنطقة الآمنة) بصفة حفظ نظام وشرطة!.

على الصعيد الميداني، على وجه الخصوص في ريف إدلب، بقي للنظام السوري عدة مواقع عسكرية ذات طابع دفاعي بحت، على شكل نقاط محدودة شبه معزولة أو معزولة بالكامل أهمها بلدتا الفوعة وكفريا، طرق اتصالها غير آمنة، مقطوعة ومعزولة أو هي في طور العزل. ومنذ معركة مشفى جسر الشغور تركزت ميدانيات الجيش السوري على منع احتمالات وقوع مجازر في تلك النقاط، بالتالي إعادة تجميعها بصورة آمنة لاستخدام طاقتها المجمعة في مواقع أخرى. بينما تُركّز المجموعات الأصولية المسلحة على احتلال كامل محافظة إدلب المحاذية للحدود التركية، بسبب أهميتها اللوجستية وتحويلها إلى (منطقة آمنة). غير أن هذا الموضوع ليس بهذه البساطة، إذ في أسلوب مشابه لما فعله في الجنوب، استطاع الجيش السوري امتصاص الصدمة الأولى لكن بصعوبة كبيرة، وأن يستعيد عدداً محدوداً من المناطق التي خسرها في المحافظة.

العدد 1105 - 01/5/2024