أوباما يفقد البوصلة الاستراتيجية!

 يُجمع العديد من المحللين السياسيين على أن الولايات المتحدة الأمريكية، وهي إلى وقت قريب مضى القوة العظمى الوحيدة في النظام العالمي، تبدو وكأنها فقدت البوصلة الاستراتيجية وتراجعت إلى خلف الأسوار، وهي تعاني الانقسام بين الديمقراطيين والجمهوريين، وازدادت ضياعاً وانقساماً في معمعة الصراع حول معركة الرئاسة الأمريكية القادمة، وقرار رئيس مجلس النواب الجمهوري جون بينر بالاستقالة من منصبه.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، تحول الشرق الأوسط في عهد الرئيس أوباما إلى إقليم بلا نظام، تعم الفوضى أنحاء كبيرة منه، بسبب استراتيجية واشنطن وتخبطها في التعامل مع استحقاقات المنطقة وأحداثها وتطورها، وهذا الأمر يشكل واقعاً مؤلماً ومقلقاً في الوقت نفسه. وقد كتب الكثيرون حول الاستراتيجية الأمريكية ومظاهر فشلها في الشرق الأوسط، وعزوا ذلك الفشل إلى التردد وتهيب التورط في مستنقعات حروب برية مكلفة على غرار الحرب في أفغانستان ثم في العراق، كما أوضح أوباما في بداية ولايته الأولى بأن لا حروب في عهده، وتحدث عن عقيدته المتجسدة في (القيادة من الخلف).

في عهد الرئيس أوباما انتقل العالم من خطر (تنظيم القاعدة) إلى خطر تنظيم (داعش) الإرهابي، بل إلى فظائعه ووحشيته.

أما تعامله مع الأحداث السورية فكان غريباً لافتاً للنظر، لأن هذا التعامل في حقيقته يخدم المصالح الأمريكية، فكما تبنت واشنطن تنظيم القاعدة ليقاتل الاتحاد السوفييتي السابق في أفغانستان بتمويل سعودي، تبنت داعش بعد أن أوجدتها، ثم اضطرت أمام العالم إلى الادعاء بمحاربتها عبر تحالف ملغوم شكلته لهذا الغرب من نحو 60 دولة، وتبين بعد نحو أربعة عشر شهراً من إقامة هذا التحالف أن داعش مازالت تتوسع في احتلال أراض جديدة في العراق وسورية، وأخذت تتمدد إلى دول أخرى (مصر وليبيا ولبنان والجزائر وليبيا)، إضافة إلى تشكيل خلايا نائمة لها في دول أوربية وآسيوية أخرى.

وفي عهد أوباما أصبح الصراع الطائفي في المنطقة أكثر وحشية بعد تغوّل الميليشيات الطائفية، فقد تغاضت إدارته عن وحشية وجرائم الحرب التي ترتكبها هذه التنظيمات من قتل وذبح وتهجير وحرق الناس أحياء، وإقصاء للغير، ما عمّق الشرخ وفاقم الصراع المذهبي بين أبناء الدين الواحد.

وفي عهده وفي ظل سياسته المترددة والملتبسة، يشهد العالم أسوأ كارثة نازحين ومهجرين يتعرضون للمخاطر وللموت، وهم يقرعون أبواب دول الاتحاد الأوربي فارين مما تعرضوا له من جرائم وفظاعات على يد تنظيم داعش الإرهابي وجبهة النصرة وغيرهما، وهي موجة تعتبر الموجة الأوسع منذ الحرب العالمية الثانية. فقد تحول ثلث الشعب السوري والعراقي إلى مهجّر ومشرد ونازح ولاجئ وقتيل وجريح، في ظل سياسة ازدواجية المعايير وسقوط لا مثيل له لأمريكا وللغرب عامة في امتحان القيم والأخلاق. والأدهى من ذلك كله أن بعض الدول الأوربية تغلق أبوابها في وجوه المهجرين، وتبني الأسوار على حدودها وتعتقل البعض منهم في مخالفة صريحة للقانون الدولي والقوانين الدولية الإنسانية، كل هذا يجري وسط صمت مريب من قبل إدارة الرئيس أوباما وتخبطها.

في عهد أوباما أيضاً أعطي الضوء الأخضر للسعودية لتُشكل ما أسمته تحالفاً عربياً إسلامياً لشن أعتى حرب عدوانية على اليمن، في سياق ما أسمته (عاصفة الحزم) و(إعادة الأمل)، بذريعة إعادة الشرعية في اليمن، وكأنما السعودية أصبحت المدافع الأول عن الشرعية وعن الديمقراطية في العالم، وهي البلد المعروف بالقمع والاضطهاد لأبنائها من قبل أبناء العائلة السعودية، وبالتآمر على كل من ينادي بالديمقراطية ويمارسها إلى جانب أنها أداة من أدوات الغرب في المنطقة كما هو حال إسرائيل إن لم نقل أكثر. والجميع يعرف أن هذه الحرب التي راح ضحيتها الآلاف من أبناء الشعب اليمني، ودمرت البشر والحجر في اليمن، إنما هدفها الأول والأساسي أن تبقى اليمن تحت العباءة السعودية.

في عهد أوباما تمرد نتنياهو على الإدارة الأمريكية، واستخف بها أكثر من مرة وتحدى رئيسها شخصياً، ولاسيما بعد الاتفاق النووي الغربي مع إيران، متهماً إياه بالجبن والتخاذل أمام إيران. ووصل التحدي إلى درجة قيام نتنياهو بإلقاء خطاب في الكونغرس الأمريكي محذراً من الاتفاق النووي السيئ على حد تعبيره، ومحرضاً على التصويت ضده، ووقف أعضاء الكونغرس وصفقوا تأييداً لنتنياهو!

أيضاً في عهد أوباما تستمر القاعدة وداعش والنصرة في مواجهة العالم من أفغانستان إلى الصومال، إضافة إلى جرائم هذه التنظيمات في سورية والعراق ومصر وغيرها، بينما تحالف أوباما لم يستطع منذ شهر آب 2014 أن يضع حداً لداعش وغيرها عبر الغارات الجوية الشكلية التي تشنها طائرات هذا التحالف على مواقع داعش في العراق وسورية.

لقد أقر أوباما في بدء حملته على داعش في العراق وسورية بأنه لا يملك استراتيجية متكاملة، بل هي قيد الإنشاء، وفي الحقيقة ووفق سير ما يسمى بالحرب الأمريكية على داعش، أن أوباما شكل هذا التحالف الصوري ليظهر أمام العالم بأنه ضد الإرهاب، في الوقت الذي اتضح فيه أنه لا يريد محاربة الإرهاب، بل يريد إدارة العمليات الإرهابية، كما تريد إدارته وتوظيفها في خدمة المصالح الأمريكية والغربية عامة.

بإيجاز يمكن القول إن ما يشهده العالم هو ضياع البوصلة الأمريكية وتخبطها، ليس فقط في مواجهة داعش، بل في مواجهة الإرهاب الذي بات يهدد العالم أجمع وليس  الشرق الأوسط فحسب.

العدد 1105 - 01/5/2024