إعلامنا يحتاج إلى الكثير من الحب

لعب الإعلام بأشكاله المتعددة والمختلفة أدواراً جمّة في حياة البشرية منذ نشوئه، ولا يزال حتى يومنا هذا يواصل دوره المنوط به، لاسيما في ظلّ الانفتاح المتوافر في جميع أنحاء الأرض، إن صح التعبير، الأمر الذي مهّد لسبلٍ جديدةٍ في العمل الإعلامي تسهّل وصول المعلومة إلى المتلقي أينما كان ومهما تنوع مجال اهتمامه، خصوصاً في أيامنا هذه، فقد بات (النِّت) متوافراً للجميع، ما يجعلنا على تواصل مستمر مع كل جديد وفي أي صعيد، إذ لم يعد أيّ أمرٍ حكراً على جهةٍ دون غيرها، ولم تعد الحقيقة تُخفى على أحد، فقد أصبح بإمكان أيّ شخصٍ منّا الولوج إلى صلب الحدث وتناقله وكأنه مراسلٌ ميدانيّ.

هذا الوضع شكّل حافزاً أمام وسائل الإعلام الأخرى كالمحطات التلفزيونية والإذاعات والصحف للبقاء على قيد الحياة، بتطوير آليات العمل والتأكيد على المصداقية فيما تقدمه، في ظلّ التعدد والتنوع المجال الواحد نفسه، وإلاّ فإن الفشل وابتعاد المتابعين عنها، وبالتالي أرشفتها سيكون هو المصير المحتوم، وعلى سبيل المثال المحطات التلفزيونية صارت عديدة ومتنوعة إلى درجةٍ لا تُحصى، ما يزيد المنافسة فيما بينها لتثبت كل واحدةٍ منها أنها الأجدر والأكثر كفاءةً وقدرةً على الصمود في وجه (النِّت) الذي طغى على كل شيء نظراً لسهولة الوصول إليه سواء بالمعلومة أو بغيرها، فهو لا يحتاج إلى تفرغٍ كاملٍ أو الجلوس أمام الشاشة وووو إلخ، ومن هنا بات لزاماً على تلك المحطات العمل الحثيث وبذل المزيد من الجهود لتقديم الأفضل والأكثر مصداقيةً.

لكنني ومن خلال متابعتي أرى أن هذا الأمر لا يزال عصياً على محطات إعلامنا المحلية الوطنية، والمشكلة أن أسلوب العرض أو الطرح لم يتطور بالشكل المطلوب بعد، حتى طريقة إيصال المعلومة لا تزال تعاني الكثير من المشاكل، إضافةً إلى الضعف إن لم أقل الابتعاد عن المصداقية في طرح الحقيقة. فكما هو معلوم إن أيّة محطة تُحاكي الواقع والحقائق من خلال وجهة نظر مموليها أو القائمين عليها، سواء أصحاب القرار السياسي أو أصحاب الرساميل، وهذا أمرٌ بات يعلمه القاصي والداني ويقتنع به، لذا تراه يبحث هنا وهناك عن التقاطعات المشتركة لحقيقة ما يبحث عنها، ليصل في نهاية المطاف إلى رؤية واضحة أقرب إلى المنطق الذي يُقنعه.

من هنا أرى أن محطاتنا التلفزيونية المحلية تعيش حالة خمول، لأنها تدور في فلك واحد أساسه عدم القبول بمواكبة الواقع وعدم السماح بتطوير آليات العمل، بل إن المحسوبيات والوساطات تطغى على أهمية العمل وتنميته، سواء في تعيين الكوادر العاملة كمذيعين أو محررين أو مصورين أو.. أو… إلخ، أو في إفساح المجال للمواهب وأهل الاختصاص من أبناء هذا الجيل المواكب والمطَّلع، أو في تبعية كل ما سيُقدم على الشاشة للتحقيق والتمحيص الشديد، ما يجعل المعلومة المُقدَمة غير مقنعة في كثير من الأحيان، وحتى الصورة غير مريحة، إذ ينتاب المتابعَ شعورٌ وكأنه يعيش في القرن الماضي، على الرغم من كل محاولات التغيير سواء في الشكل أو في المضمون. إلاّ أن هذا التغيير ومن وجهة نظري الشخصية، لا يزال بأمسّ الحاجة إلى من يعمل بموهبة وحب ومهنية وربما بحرفية، وليس لأنه مقرّبٌ من فلان أو ابن فلان، وإلاّ فإننا لن نرقى بإعلامنا ليتمكّن من الوقوف في وجه المحطات الإعلامية الأخرى التي تختلف معه في الرؤى أو الأفكار أو الآراء.

 

العدد 1105 - 01/5/2024