يد البناء أعلى من أيدي التخريب

كنا لوقت قريب جداً نخشى أن نوقظ الطيور من أعشاشها، والآن لا يكاد يمر يوم على سورية الجريحة إلا وتصحو على دوي تفجير هنا، وعملية تخريب هناك، تقوم بها أيد عابثة آثمة، مهما كانت الشعارات التي تتستر بها والعباءات التي ترتديها والعقول المغلقة التي تديرها. تلك العقول المرتهنة لمرجعيات تجاوزها الزمن وتآكل محتواها بفعل التقادم الذي فرضته آليات التقدم والتطور في محاولة يائسة بائسة لإحياء الغرائز وشل طاقات التفكير السليم وإشاعة حالة من التذمر والاستياء الشعبي.

ما هو ذنب تلاميذ مدرسة يحملون الغد في حقائبهم ذاهبين إلى مدارسهم وكلهم ثقة بمستقبل بلادهم، يطلبون العلم والتواصل مع لداتهم على مقاعد الدراسة ينشدون نشيداً واحداً، وينتمون إلى وطن واحد، ليروعوا بأصوات التفجيرات والسيارات المفخخة التي تحيل أحلامهم وأجسادهم الغضة إلى قطع تتناثر على جدران الأبنية وما تبقى من واجهات المحلات؟!

السكان الآمنون في منازلهم العائدون من أعمالهم، أو الملتفون حول موائدهم يراجعون ذكريات ماضيهم ويتطلعون إلى المستقبل، يكافؤون بأصوات مرعبة تهز نوافذهم أو تدمر شرفاتهم ليخرجوا إلى الشوارع، فتصعقهم آثار الخراب والدمار، كل ذنبهم أنهم ما زالوا يكدحون ويقاومون العطالة والموت البطيء، بالإصرار على ممارسة حياتهم اليومية المعتادة على ما فيها من صعوبات ومصاعب.

حالة من القلق والذعر والتوتر النفسي تعيشها كل أسرة سورية، سواء وجد أفرادها في منازلهم أو كان أحدهم ذاهباً إلى عمله، أو في زيارة لصديق، حالة من التوجس وانتظار المجهول المحيق بهم وبوطنهم، فقد أصبحت كل الأمكنة عرضة للاستهداف، والغاية إشاعة الرعب بين السكان، وتقوية نوازع العداء للدولة، وإضعاف الارتباط بالوطن.

فبعد كل انفجار يخرج الناس للقيام بواجبهم نحو المصابين، متجاهلين الخطر الذي يحدق بحياتهم، خوفاً من انفجار آخر، يجتمع أصحاب الشعور بالمسؤولية الاجتماعية ويهبون لمساعدة إخوتهم، فتحصد انفجارات سياراتهم المفخخة أكبر قدر من الضحايا، بعد كل عملية تخريبية في الأحياء السكنية يقوم المواطنون بغض النظر عن انتماءاتهم وولاءاتهم وكأنهم رجل واحد لإصلاح ما خربته الأحقاد، وما دمرته الأنفس المهووسة بالانتقام، آخر تفجير جرى في جرمانا جارة الياسمين، وبوابة الغوطة الشرقية، المدينة التي يعيش سكانها أسرة واحدة، محافظين على نظام حياتهم، جرمانا التي تعد صورة مصغرة عن الوطن الأم (سورية) بكل ما فيها من تنوع وتعدد واختلاف في ائتلاف، يقطن فيها مواطنون من كل المحافظات، ومن كل الأديان والمذاهب، واللونيات الإثنية والفكرية، يوحدهم الحب والمثابرة على العمل، والتطلع إلى تجاوز المحنة. لقد كان أبناؤها كباراً عندما هبوا لإعادة بناء ما خربه آخر تفجير فيها…

كان الرجال يملؤون شرفات المنازل المهدمة، يعملون بإيقاع واحد، وبهمة عالية، مجموعات تنظف الشارع وأخرى تبني ، وثالثة تصلح المنازل والشقق، التي أضحت شقة واحدة، والأيدي غدت يداً واحدة، ونبضات القلوب توحدت لتصلح ما خربته الكارثة.

ما جرى في جرمانا ليس نادر الحدوث وإنما قد تكرر في معظم المناطق المنكوبة بضيق الأفق والتخلف والحقد، حيث هبّ المواطنون متصدّين للتخريب بالإعمار، وللحقد بالتسامح، وللبغضاء بالمحبة، وللفرقة بالتلاحم، وللانغلاق والتقوقع بالانفتاح واحترام الآخر، والعمل من أجل الجماعة والوطن، وتأصيل قيم الإخاء والتكافل الاجتماعي.

يد البناء أعلى من أيدي التخريب

 

 كنا لوقت قريب جداً نخشى أن نوقظ الطيور من أعشاشها، والآن لا يكاد يمر يوم على سورية الجريحة إلا وتصحو على دوي تفجير هنا، وعملية تخريب هناك، تقوم بها أيد عابثة آثمة، مهما كانت الشعارات التي تتستر بها والعباءات التي ترتديها والعقول المغلقة التي تديرها. تلك العقول المرتهنة لمرجعيات تجاوزها الزمن وتآكل محتواها بفعل التقادم الذي فرضته آليات التقدم والتطور في محاولة يائسة بائسة لإحياء الغرائز وشل طاقات التفكير السليم وإشاعة حالة من التذمر والاستياء الشعبي.

ما هو ذنب تلاميذ مدرسة يحملون الغد في حقائبهم ذاهبين إلى مدارسهم وكلهم ثقة بمستقبل بلادهم، يطلبون العلم والتواصل مع لداتهم على مقاعد الدراسة ينشدون نشيداً واحداً، وينتمون إلى وطن واحد، ليروعوا بأصوات التفجيرات والسيارات المفخخة التي تحيل أحلامهم وأجسادهم الغضة إلى قطع تتناثر على جدران الأبنية وما تبقى من واجهات المحلات؟!

السكان الآمنون في منازلهم العائدون من أعمالهم، أو الملتفون حول موائدهم يراجعون ذكريات ماضيهم ويتطلعون إلى المستقبل، يكافؤون بأصوات مرعبة تهز نوافذهم أو تدمر شرفاتهم ليخرجوا إلى الشوارع، فتصعقهم آثار الخراب والدمار، كل ذنبهم أنهم ما زالوا يكدحون ويقاومون العطالة والموت البطيء، بالإصرار على ممارسة حياتهم اليومية المعتادة على ما فيها من صعوبات ومصاعب.

حالة من القلق والذعر والتوتر النفسي تعيشها كل أسرة سورية، سواء وجد أفرادها في منازلهم أو كان أحدهم ذاهباً إلى عمله، أو في زيارة لصديق، حالة من التوجس وانتظار المجهول المحيق بهم وبوطنهم، فقد أصبحت كل الأمكنة عرضة للاستهداف، والغاية إشاعة الرعب بين السكان، وتقوية نوازع العداء للدولة، وإضعاف الارتباط بالوطن.

فبعد كل انفجار يخرج الناس للقيام بواجبهم نحو المصابين، متجاهلين الخطر الذي يحدق بحياتهم، خوفاً من انفجار آخر، يجتمع أصحاب الشعور بالمسؤولية الاجتماعية ويهبون لمساعدة إخوتهم، فتحصد انفجارات سياراتهم المفخخة أكبر قدر من الضحايا، بعد كل عملية تخريبية في الأحياء السكنية يقوم المواطنون بغض النظر عن انتماءاتهم وولاءاتهم وكأنهم رجل واحد لإصلاح ما خربته الأحقاد، وما دمرته الأنفس المهووسة بالانتقام، آخر تفجير جرى في جرمانا جارة الياسمين، وبوابة الغوطة الشرقية، المدينة التي يعيش سكانها أسرة واحدة، محافظين على نظام حياتهم، جرمانا التي تعد صورة مصغرة عن الوطن الأم (سورية) بكل ما فيها من تنوع وتعدد واختلاف في ائتلاف، يقطن فيها مواطنون من كل المحافظات، ومن كل الأديان والمذاهب، واللونيات الإثنية والفكرية، يوحدهم الحب والمثابرة على العمل، والتطلع إلى تجاوز المحنة. لقد كان أبناؤها كباراً عندما هبوا لإعادة بناء ما خربه آخر تفجير فيها…

كان الرجال يملؤون شرفات المنازل المهدمة، يعملون بإيقاع واحد، وبهمة عالية، مجموعات تنظف الشارع وأخرى تبني ، وثالثة تصلح المنازل والشقق، التي أضحت شقة واحدة، والأيدي غدت يداً واحدة، ونبضات القلوب توحدت لتصلح ما خربته الكارثة.

ما جرى في جرمانا ليس نادر الحدوث وإنما قد تكرر في معظم المناطق المنكوبة بضيق الأفق والتخلف والحقد، حيث هبّ المواطنون متصدّين للتخريب بالإعمار، وللحقد بالتسامح، وللبغضاء بالمحبة، وللفرقة بالتلاحم، وللانغلاق والتقوقع بالانفتاح واحترام الآخر، والعمل من أجل الجماعة والوطن، وتأصيل قيم الإخاء والتكافل الاجتماعي.

العدد 1105 - 01/5/2024