ذاكرة مبعثرة

أسئلة تدور في ذهني، وربما في ذهن كل سوري، وأجوبتها ما تزال حتى يومنا هذا مجهولة، وأبرزها: هل من حلٍّ لأزمة طالت وتجاوز أمدها سبع سنوات، وانعكست على تفاصيل حياتنا.

(أزمة)! أحاول أن أفسّر ما معنى أزمة؟ وكيف نشأت تلك المفردة خلال هذه السنوات التي مرت كزلزال سريع هزّ كلّ ما نملك من أحاسيس وقدرات، وهزّ كياننا وحياتنا وبيوتنا، لم يوفر شيئاً إلا قلَبه رأساً على عقب.

 المكان الصغير المتكامل الذي كانت تجتمع فيه كل أسرة سورية، بحبّ، وتتناقش في عدة أمور، تجلس على مائدة واحدة وتأكل من طبق واحد، أصبح كثيرون، اليوم، يفتقدون بيوتهم وأسرتهم، فرّقتنا هذه الحرب وجعلت كلاً منا في مكان بعيد عن أهله وأصدقائه، غيّرت فينا الكثير، وأصبحت الأشياء الجميلة منسيّة.

 فذاك يبحث عن قوته اليومي، وهذا عن بيت يأويه وعن قطعة ملابس تقيه برد الشتاء في غياب الدفء.

ومن الآثار المحزنة للأزمة التي بقيت إلى يومنا هذا، إضافة إلى الفقدان، والتهجير، والهجرة، أولئك الذين اختطفتهم المجموعات الإرهابية، والذين مازالوا مجهولي المصير. أقف عاجزة أمام عزيمتهم، وقدرتهم على التحمّل، وأسأل نفسي: ماذا يأكلون؟ وكيف يشربون؟ وماذا يتعلمون في ذلك السجن القاتم ذي الجدران الباردة التي تغيّب الصغير والكبير؟!

هل تشرق عليهم شمس سورية وتقيهم برد الزمان والمكان؟

هل يفكرون مثلنا، وأعماقنا تعيش آلاف المشاعر من ريبة وحزن، قوة وأمل، عذاب وشوق؟ ومتى سيعودون ويتنفسون حريتهم ويعيشون حياتهم الطبيعة، بعد عذاب قلّ نظيره، وطال أمده؟

نعم، في كل يوم يراودني هذا السؤال: لماذا هم منسيّون؟! وهل وصلنا إلى درجة العجز عن إنقاذهم؟

وأعود بذاكرتي إلى الوعود، والآمال، إلى الجهود التي قيل إنها بُذلت من أجل حريتهم، عن حقوق الإنسان التي تشدّقت بها ومازالت المنظمات الغربية، عن أبسط حقوق الإنسان في العيش بحرّية!

سبع سنوات ربما هي قليلة في مقاييس الزمن، لكنها غصّة العمر، وألم يصعب نسيانه، ووحشية إرهابية لم ولن ينساها التاريخ السوري المعاصر.

لا شكوك لديّ في أن جيلاً جديداً سينشأ قادر على رسم سوريّته الجديدة في الوجدان والعقل، سيلوّنها كلوحة فنية بألوان المحبة والسلام والتسامح، ليدرك العالم بأسره أن الحضارة بدأت من سورية. حينئذٍ ستكون مآسي السوريين ذكريات عابرة، لكنها قاسية ومؤلمة، حينئذٍ سيكون للإرهابيين مكان واحد، هو مزبلة التاريخ.

كل الجهود لإنقاذ الأسرىوالمخطوفين!

العدد 1104 - 24/4/2024