كي لا ننسى الرفيق عمر رمضان

 لقد انتهت دون ضجيج وبصمت قبل أكثر من عقدين من الزمن حياة إنسان ارتبطت كلها بحياة جيل من أبناء الشعب السوري.. كانت المسألة الوطنية والاجتماعية مركز اهتماماته الأساسية.

عمر رمضان، وُلد منتصف الثلاثينيات من القرن الماضي، في عائلة دفعت ضريبة غالية نتيجة مواقفها الوطنية والشيوعية، ودفاعها عن مصالح الجماهير الشعبية.

إن عمر رمضان وعلى خلاف أخويه الأكبرين نديم وفخري، لم يكن عضواً في الحزب الشيوعي، ولم ينتسب إلى أي حزب آخر.. إلا أنه عاش في أجواء الحركة الوطنية والشيوعية، وكانت لديه قناعة عميقة أن الحزب الشيوعي يعمل على إحداث تغييرات عميقة في المجتمع تمس مصالح الغالبية الكبرى من الشعب، ولذلك وجه نفسه إلى جانبه، متعاطفاً معه، ومساهماً في معظم نضالاته. فهو لم يأل جهداً في تقديم كل ما يستطيع من مساعدة ودعم. لقد وقف إلى جانب شقيقيه الأكبرين الناشطين في صفوف الحزب، وكان يتابع دون كلل نضاله ونضال القوى التقدمية الأخرى، انتصاراتها وانكساراتها، منحازاً دون تردد إلى جانبها، إلى جانب أناس العمل، وإلى جانب الوطن السوري ووحدته واستقلاله.

إن هذه العائلة قدمت الكثير من التضحيات في مسيرة الحزب، وأبرزها ملاحقات لأخويه أثناء الديكتاتوريات، إلا أن الامتحان الأكبر والأكثر قسوة كان على الطريق، وكان على الأشقاء الثلاثة أن يجتازوه بنجاح.

يعتقل الأخوة الثلاثة في بداية عام 1959 في غمرة الحملة الظالمة التي أطلقت ضد الحزب الشيوعي السوري، لأنه عبّر فقط من خلال ملاحظاته على طريقة إقامة الوحدة الخاطئة وغير الديمقراطية وقناعته بأنها لن تؤدي إلى تقوية الاتجاهات الوحدوية في البلاد العربية وإلى توطيدها، ولا إلى تحويل هذه التجربة إلى نموذج جاذب، وإنما ستؤدي إلى تقويض فكرة الوحدة وإضعافها، وهذا ما حدث.

إن السؤال الذي طرح آنذاك: لماذا زجّ بالكثير من الشيوعيين وغيرهم من الوطنيين في السجون، ولماذا يعتقل إنسان مثل عمر رمضان، وهو الذي لم يكن عضواً في أي حزب من الأحزاب؟ لقد طلب منه أن يعلن براءته من الحزب، وأن يوقع على وثيقة تهاجمه كشرط لإطلاق سراحه، إلا أن كرامته الوطنية وإيمانه بحريته في اختيار الأفكار التي يرى فيها نفسه، جعلته يأبى ذلك رغم كل الضغوط التي مورست عليه.. وقد استمر على موقفه هذا هو وشقيقاه خلال ثلاث سنوات في سجن المزة، دون أن يفقد إيمانه بحرية الكلمة والاعتقاد.

تعرفت على عمر رمضان في السجن، وارتبطنا بصداقة استمرت حتى وفاته.. كنا نلتقي أحياناً كثيرة في السجن مع أصدقاء آخرين.. وإن معظم الأحاديث كانت تجري عن الهموم الوطنية والاجتماعية، وكان دائماً يعبر عن ألمه العميق لما آل إليه وضع الحزب من انقسام وتشرذم، ولم يكن يستطيع الاقتناع مطلقاً بالمبررات التي كان يضعها هذا الفريق أو ذاك. كان يعتقد بصورة عميقة أن وحدة الشيوعيين هي عامل هام جداً، وضرورة كبيرة لتحقيق وحدة عمل جميع القوى الوطنية والتقدمية في البلاد من أجل الحفاظ على استقلال الوطن، وإحداث انعطاف نهضوي قادر على إحداث تطور لاحق يخدم المصالح الحقيقية للشعب.

إن بعثرة قوى الحزب وتفتتها لا يمكن أن يخدم هذا الاتجاه، وأدى ويؤدي إلى فقدانه لمصداقيته أمام جميع من كان يؤمن بدوره المستقبلي والتغييري. لقد كان مقتنعاً بذلك حتى آخر دقيقة من حياته، وقد عمل جاهداً من خلال أحاديثه مع أصدقائه على إعادة اللحمة له.

سنعمل لتبقى ذكرى عمر رمضان والكثيرين غيره من الذين ناضلوا من أجل مستقبل وضّاء لسورية الوطن، مضحين بكل ما هو شخصي، دون أن يطلبوا لقاء ذلك أي ثمن أو أجر.. لتبقى راسخة مكرسة للتقاليد النضالية والوطنية للحزب وأجياله اللاحقة، والتي يجب ألا يمحوها النسيان من أجل مستقبل أفضل للشعب السوري.

العدد 1105 - 01/5/2024