لا تسمحي للحرب أن تغتال شخصيتك!

كثُر الحديث مؤخراً عن عصابات مختصة بالسرقة أو القتل أو التغرير بالآخرين، وتساهم فيها النساء بشكلٍ لافت، وصارت حديث الجميع، لما تخلفه من آثار نفسية ومجتمعية وتربوية، وعلى الرغم من كثرتها إلاّ أن الرأي العام لا يزال يستهجنها ويرفضها، ليس فقط لأفعالها المشينة، بل إن ما يثير الرفض الدائم هو وجود العنصر النسائي بين أفراد هذه العصابات.

وهذا الاستهجان مُحِقّ ومبرّر بقوة، فالمرأة التي نما بنسغها جملة من المفاهيم منذ بدء الخليقة كمفهوم العطاء، ومعنى الحنان، ومغزى الأمومة، وكانت رمز الرقة واللطف حتى في أشدّ اللحظات قتامةً، من البديهي استهجان سلوكها لمثل أفعال السرقة أو المشاركة في القتل وغيرها…

إلاّ أنه ولمعالجة هذه الظاهرة، من واجبنا النظر إلى جميع جوانبها، وكما في أية جريمة يُنظر إلى الأسباب الدافعة للقيام بها، لا بدّ أن تكون لتلك النساء ثلةٌ من الأسباب تدفعهن للقيام بهذه الجرائم، فالفقر المضني الناتج عن تردي الوضع الاقتصادي المترافق مع وقوفها وحدها في مهب الريح مسؤولةً عن أطفالها أو أهلها، يجعلها وبلحظةٍ واحدةٍ تنقلب من ذاك الكائن العاطفي الحنون الرقيق، إلى تلك اللبوة الشرسة المستعدة لحرق الأخضر واليابس مقابل الحصول على لقمةٍ تُسكت بها جوع أبنائها، فالأم التي تجسد الحنان والعطاء والحب هي كائنٌ مختلفٌ تماماً في لحظات الجوع والموت والفقدان، هي حيوانٌ جريحٌ يحوله جرحه إلى أشرس المخلوقات، ليمسي قادراً على فعل أيّ شيء بغض النظر عن مشروعيته أو توافقه مجتمعياً أو إنسانياً.

لم أقصد التبرير لتلك المشاركات أو الأفعال، لأنني أرفضها مهما كانت مسبباتها، ولأني ممن لا يزالون يرون ضمن السواد المُعاش نُتفاً من الضوء والأمل، فبرغم التردي الموجود بكل النواحي إلاّ أن هناك فرصاً للعيش بعيداً عن الانحدار والتهاوي لا تزال متاحة…

إليك أيتها المرأة- الأم أقول: لك كل المبررات لتقومي بكل شيء لقاء إطعام أطفالك، لكن لا تسمحي للحرب وكوارثها أن تخلصك من إنسانيتك وشخصيتك، يمكنك القيام بأي فعل تنالين من خلاله مبتغاك، لكن لا للقتل أو السرقة، لا تبتعدي عن صفاتك التي تُرفع لها القبعات، كوني امرأةً تفتخر بكل الصفات والرموز التي تجسدها، كوني أماً ترفع رأسها عالياً بأمومتها ليرفع أبناؤها رؤوسهم بها…

العدد 1105 - 01/5/2024