متعة العولمة.. ولكن أين نحن؟

انتشرت في الآونة الأخيرة وسائل التواصل الاجتماعي بكثرة مثل (الفيس بوك  والواتس أب والفايبر والشات مسنجر والإيمو والسناب كذالك الإنستغرام والاين والتانكو).

أمام كل هذا الزخم، من وسائل التواصل والعالم الافتراضي، يا ترى أين نحن من الواقع الحقيقي، ومن العلاقات الأسرية والجلسات المسائية لأفراد الأسرة، والتحدث بمشاكلهم المشتركة..؟
للأسف، لم نعد نلمس هذا الدفء بالعلاقة الأسرية السليمة، ولا بالهموم المشتركة، بل أصبحنا نبارك في الفرح والنجاح، ونواسي بالحزن والأسى عبر النت، ونعلم أن فلاناً سافر، أو تعب أو أجرى عمل جراحي عبر النت.
حتى أن الهاتف الأرضي والنقال أصبح استخدامهما قليلاً، لأن الاتصال عبر الشبكة أخذ الحيّز الأكبر من الاهتمام.

أمام كل هذا التقدم والتطور في التكنولوجيا، أين ستصبح جلسات العائلة الواحدة المتحابة؟.. أكيد أصبحت مملة، وغير ممتعة لأن جمال الحوار وشغب المناقشة والنكتة اللطيفة بين الإخوة، والتعليقات المضحكة لم تعد موجودة،
أصبح الجميع مشغولاً بالهاتف المحمول بما يحمله من حوارات وضحك وتعليقات انحصرت عبر الشبكة من خلال الفيس وما شابه، وخاصة جيل الشباب الذي ضاعت وتاهت غالبيته في متعة العالم الافتراضي،
ونسي أن له أسرة تستمتع حينما يجلس معها يشاركها الضحكة والدمعة، ليمسي جيلاً مصاباً بلوثة الاغتراب والعزلة الاجتماعية بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ متنوعة، إذ بات همه الوحيد فقط كيف يُمارس لعبة ما، ويجلس أمامها ساعات وساعات ليهزم شخص عبر النت،
كما أن معظم الجيل بات شرساً نتيجة الألعاب المنتشرة على تلك التقنيات، إضافة إلى  سيطرة الاكتئاب لقضائهم معظم الوقت أمام الكمبيوتر.
لقد اندثرت القراءة والمطالعة، وحتى معظم الهوايات الأخرى، لأن النت أصبح في متناول الجميع، حتى أن أي المعلومة تهمنا نحصل عليها عبر محرك البحث بسرعة قصوى، غيّبت معها متعة الذهاب للمكتبات والبحث في الكتب عمّا نريد.

 نعم النت جعلنا غرباء عن بعضنا، وخلق بيننا شروخ سيطرت على مشاعرنا، بتنا نكره ونحب عبر هذا العالم الافتراضي الواهم، بتنا نسرق الكلمة وننسبها لنا، أصبحنا نرى الجاهل والعالم على الصفحة نفسها، بتنا نرى سخرية البعض المزعجة، لأن هناك مساحة واسعة أمام الجميع  لنشر المفيد والضار، الجيد والسيئ، فلا رادع في هذا العالم المفترض إلاّ الأخلاق التي باتت غائبة عند البعض.

فبقدر ما للنت من فائدة، حمل سلبيات، وخاصة في مجتمعنا العربي بين جيل الشباب الغارق في عزلته، وصفحات الفيس وألعاب القتال المترف بمشاعر وهمية، صنعتها أزرار وحركتها فأرة الحاسوب، ودغدغتها وجوه جامدة شاحبة تضحك وتبكي بكبسة زر،
حتى الدعاء بالشفاء بات يداً زرقاء، لا كلمة من القلب تنطقها الشفاه تواسي من جعل لنا على الأرض مكاناً من أب وأب، وأصبح معظمنا مُحَرّكاً من قبل محرك البحث، وهو أداة التحريك في ظل السطو التكنولوجي الباهر.  

العدد 1107 - 22/5/2024