الغلوّ الطائفي وضياع المعتقد

 هو الوطن يتسع الجميع لأنه ملك الجميع، أمّا الدين فهو لله، لأن ما يميز الإنسان هو إنسانيته قبل معتقده، مع أننا حتى قبل الأزمة كّنا نرى انتشار الغلو بالدين والقومية،
وما يزال البعض حتى اليوم يحتفظ بالعصبية القبلية والدينية والطائفية والمذهبية وسواها، إذ نرى الشعارات الطائفية تزين واجهات بعض المحال التجارية ووسائط النقل العامة والخاصة،
إضافة إلى ترانيم وتراتيل صباحية تُرغَم على سماعها في تلك الوسائط أو في الشارع، بدل أن نستمتع صباحاً برائحة البن ممزوجاً بصوت فيروز دونما تمييز بين مسلم ومسيحي.

والسؤال: لماذا نضطر أن نسمع عن عذاب القبور في الوقت الذي تدغدغ فكرنا أغنية (يا شام عاد الصيف)، ويتجاهل البعض صيف الشام ومهرجانات بصرى وحقول الفرات ورايات المحبة والسلام في اللاذقية ومسرح شهبا، مثلما يتجاهل سيف الحمداني بحلب الشهباء، موشوماً بصليب أو هلال على يده ليقول أنا من هنا؟
ألا يكفي كل هذا ليكون سبباً لخفق رايات المحبة بدل كسر جناح حمامة السلام برصاص حرب السبع سنوات..؟ أين كان يختبئ كل هذا الغلو والتعصب؟؟
هل كان حبنا مُبطّناً وكنّا مرغمين على تقبّل بعضنا لتُمطر فجأة سماء الوطن ملوحة الحقد، ممزوجة بِسُمِّ مشاعرنا..؟ ولماذا نرى جيلاً كاملاً من الشباب ينساق وراء قادة رأي مشعوذين يلقّنونه الكره مع موعظة الصباح ودعاء المساء؟
وهنا تَزَيّنَ الجسد بكل أنواع الرسوم والرموز (الصليب والمسيح والقبة والهلال والنجمة والسيف) وكأن مفخرة الأعراب قطع رؤوس العباد بسيوف الجاهلية وصلبهم بعدها على رأس الهلال..؟

لذا، لابدّ من وقف سيل الجهل الجارف بقوة الفكر والعقل، والإيمان بأن الدين لله والوطن للجميع، وأننا إخوة في الإنسانية مهما كان لوننا وعرقنا وديننا، ومهما كانت وتنوّعت عباداتنا، فنحن في وطن لم يبخل علينا يوماً بالماء والهواء، ولم تقسم سماؤه المطر بين مسلم ومسيحي..

 وما على من يؤمن بالعلمانية ومعهم شبابنا الواعد إلاّ أن يتخلوا عن بعض معتقدات الأهل، وخاصة فيما يتعلق بالدين ومقولة هذا من جماعتنا، لينطلق في طريق الإنسانية الخالصة، والإيمان بأن الدين معاملة وأخلاق، إذ يكفي أن تكون إنساناً ممزوجاً بالمحبة والصدق والأخلاق لتكون مع الجميع،
فالإرهاب والسرقة والقتل والحقد لا دين له، حتى في الكنائس والمساجد عَلِّموا المحبة ودَرِّسوا الإنسانية، ضعوا خريطة الوطن فوق كل الرموز، فالوطن معبد الجميع، وسماؤه تقبل صلاة الجميع، وماؤه سبيل الجميع، وهواؤه يداعب صباحات الجميع..
قولوا لأبنائكم هذا أخوك على أرض الوطن، هو سندك في خندق الحرب لمن يتربص بكم، وهو سلواك في السلم هو يَدُكَ الملوّحة للقاء.. حَمّلوهم راية السلام البيضاء مع صيف دمشق وربيع جلق وخريف العمر المتساقطة أوراقه مع الريح، ليُمطر الخير سلاماً لوطن السلام سورية، مطراً يمحو لون الدم،
فتنبت خضرة الشعب الواحد على أرض وطن واحد وسماء زرقاء تظلل الجميع، صباحهم صوت الطيور، ونومهم سكون نجوم خاشعة للنور، فلا هلال ولا صليب ولا نجوم بألوان تخفي لون السماء..

 

العدد 1105 - 01/5/2024