الثقة بالنفس أساس الحياة

تُعدُّ العلاقة بين الرجل والمرأة من أعقد العلاقات البشرية لوجود عدَّة عوامل لمّا تزل تقضُّ مضجعها.
وهذه العوامل تتباين بين مجتمعٍ وآخر، أو بيئةٍ وأخرى من حيث الشَّكل الظَّاهر وآليات التَّعامل معها، إلاّ أنَّها في لُبِّها الأساسي واحدة، فقد بدأت تتبلور منذ أن فُرِضت السُّلطة الذُّكورية على المجتمع،
مجيِّرةً كلُّ الحقوق لصالحها مستلبةً من الآخر/ المرأة كل ما تملك، ومطالبةً إيَّاها بالمزيد من الواجبات على الدَّوام، وازدادت حدَّتها حين عملت المرأة وأدركت ذاتها وأهميَّتها، ككائنٍ مساوٍ للرَّجل بالحقوق والواجبات، فنشأ الخلاف الأزلي بينهما، فالمرأة تحاول جاهدةً تأكيد مكانتها لاسيَّما أنَّها تمتلك من المقوِّمات ما يؤهِّلها لأن تسيِّر حياتها وحياة من حولها بأسهل السُّبل،
وإن تعرّضت للصِّعاب، فهي أهلٌ للتّصدي لها والوقوف بوجهها، وإيجاد الحلول المناسبة التي تتوافق مع واقعها، بل وتسعى لتطوير نفسها بالعمل الدَّؤوب على الإفادة من كلِّ ما من شأنه أن يمنحها المزيد من الوعي، لذا تراها منكبَّة على العلم أو العمل، حثيثة الخطا للارتقاء بوعيها، وتطوير أدواتها، لتصون مكتسباتها وتحميها،
ولم تعد تسمح بضياع ما وصلت إليه، بينما يبقى الرَّجل مستنداً على تراكمات موروثة معتمدة الثقافة الذُّكورية، التي تمنحه الأحقية الأبدية بكل شيء، مسترخياً لها دون أن يسعى لتطوير أدواته، ويوماً بعد يوم ونتيجة هذا التراخي والتكاسل بات يُعايش تفوُّق المرأة عليه في العديد من المجالات، ما دفعه لأن يراها عدوَّه الأوَّل!!
ليقع فريسة تناقضاته الداخليَّة، فتراه من جهةٍ معجباً بقوتها كونها تُشكِّل سنداً وعوناً له نظراً لاكتسابه النَّظري غير المقترن بالفعل بعض القيم الحضارية التي تدلِّل على أهميَّة دور المرأة في الحياة، ومن جهةٍ أخرى تراه مُتشرِّباً ومتشبِّثاً بالموروث القائم على رفضها، وعدم الاعتراف بأهليتها وأحقيتها، ما يجعله يعيش في دوَّامةٍ من التخبط النفسي والاجتماعي،
والتأرجح بين هنا وهناك، فبعض الرِّجال يعترفون في قرارة أنفسهم بتفوُّق المرأة، وبأنهم سيحظون بالأمان إن أفسحوا لها المجال لمساندتهم في قيادة المركب يداً بيد، بينما يخشون في اللَّحظة الحاسمة قوَّتها ويعيشون حالةً من الرُّعب بأن تنافسهم على سلطتهم، وحقوقٍ ربَّما وجدوا أنَّهم لم يكونوا أهلاً لها، فيختلقون المعوِّقات والمصاعب لها غير منتبهين أن ما يضعونه من عراقيل ستنعكس بشكلٍ أو بآخر عليهم أيضاً، وستكون النتائج كارثية على حياتهما المشتركة.

أما اعتراف الرجل علانيةً بأحقيَّة المرأة فيحدث حين تكون أختاً أو ابنةً أو صديقةً أو رفيقة، لكونها لن تُشكِّل خطراً يهدد رجولته ومكانته، ولكن حين تكون زوجة، تغدو إحدى ممتلكاته الخاصَّة، من حقِّه أن يفعل بها ما يشاء ومتى شاء.

هذه التَّخبُّطات أساسها انعدام ثقة الرَّجل بنفسه أولاً وآخراً، فإن امتلك بعضاً منها سيدرك أن قوَّة المرأة واعتماده عليها هي قوَّةٌ له أيضاً ما سينعكس إيجاباً على علاقتهما معاً، ويكبر أحدهما بالآخر، بل وسينال منها ما يريد بإرادتها ورغبتها وحبِّها، على خلاف ما سيناله منها تحت الضَّغط والتَّهديد والوعيد استناداً إلى موروثٍ آن للزَّمن أن يعفو عليه.

 

العدد 1105 - 01/5/2024