العالم الافتراضي.. واقع حي ما لم يجرفنا للوهم

منذ نشوء ثورة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في القرن الماضي، تغيّرت ملامح الحياة الإنسانية على نحو لم يكن متوقعاً ولا حتى متخيّلاً، فقد بدا الكون الشاسع بقاراته البعيدة، قرية صغيرة يتواصل سكانها بسرعة فائقة، كما يمكن للكمّ الهائل من المعارف والعلوم والتقنيات الحديثة أن تصبح بمتناول الجميع بأقل زمن وأسرع وسيلة.

وهذا ما جعل البشرية كلها في تواصل آني حيّ وفعّال، من حيث الاطلاع المباشر على آخر أخبار وثقافات وحضارات وابتكارات الشعوب، مما وسّع مساحة المعارف والتفاعل مع الآخر الذي كان مجهولاً إلى زمنٍ غير قليل، وهذا ما ترك آثاراً قد تكون إيجابية أو سلبية على المتلقي، تبعاً لاهتماماته وما يريد معرفته.

ومع انتشار شبكات التواصل الاجتماعي المختلفة بأهدافها المتعددة والمتنوعة، نشأت بين الناس حتى من شعوب مختلفة علاقات اجتماعية- افتراضية عززت من شعور البعض بأن هناك أشخاصاً يمكن أن يصبحوا أصدقاء فكر وإنسانية من خلال التفاعل فيما بينهم، ومناقشة العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك(ثقافية، سياسية، اجتماعية، دينية، وعلمية.. الخ)

بالمقابل، فإن هذا الفضاء قلّص المسافات بين الناس بشكل واقعي، بمعنى أن العلاقة بين الآباء وأبناء مهاجرين مثلاً لم تعد تكتنفها الوحشة والوحدة والحنين، إذ أصبح التواصل حيّاً عبر الصوت والصورة، مما قلل من مشاعر القلق والحزن على الغائبين.

ولا يفوتنا أنه على المستوى الأكاديمي تمّ على المستوى العالمي إنشاء الجامعات الافتراضية التي سهّلت على الطلبة الراغبين بالدراسة في جامعات دولية وهم في بلدانهم وبيوتهم، مما فسح المجال رحباً لتلقي العلوم بطريقة أقل كلفة ومشقّة.

لكن، ورغم كل ما ذكرنا، يبقى هذا العالم موحشاً ومخيفاً، باعتباره يؤدي عند البعض ممن لا يتقنون التعامل معه إلى حالة من الإدمان المؤدي إلى الإحساس بالغربة والاغتراب عن الواقع الحقيقي نتيجة التعلّق والانفعال والانجراف الكبير تجاه هذا العالم الافتراضي(المفردة المُلطِفة لمفردة الوهمي) إن لم يُستخدم بطريقة بنّاءة وإيجابية، لاسيما للأجيال الصغيرة التي قد تلج متاهات تؤدي بهم لانحرافات قد يصعب التخلّص منها بسهولة. 

العدد 1107 - 22/5/2024