العوالم الافتراضية.. تواصل فرانكشتايني

الوجود الإنساني محددٌ بمكانٍ وزمان. وقد وجد الإنسان نفسه في نهاية الألفية الثانية يمضي الكثير من زمانهِ مشغولاً في بدع ٍ وإبداع ٍ لم يعرفهُ الأجداد(العوالم الافتراضية، وسائل التواصل الاجتماعي، السينما..) فإلى أية آفاق تحملنا مُفرزات عصر التكنولوجيا تلك؟ وهل سنقول بوجود حياتين للفرد.. حياةٌ حقيقية، وحياة عقلية افتراضية؟

وما هو الفارق الجوهري بين شرود الذهن وأحلام اليقظة أو الذُّهان المرضي، والولوج إلى العوالم الافتراضية؟

ربما لا يطغى على أحلام اليقظة والذهان المرضي العنف وإباحة ما هو غير مباح كما هو الحال في العوالم الافتراضية المنتشرة حولنا اليوم.
لماذا كُنّا – منذُ بضعة عقود – نعتبر كثرة شرود الذهن والإفراط في أحلام اليقظة والذهان العقلي مثالبَ وعيوباً ونخشى على أطفالنا منها، واليوم هي مباحة ومبررة رغم إيغالها في القسوة والوحشية..؟
هل يشكل هذا الإقبال على تلك العوالم هروباً جماعياً من الواقع البائس الذي تعيشه البشرية؟ وهل تسمية (وسائل التواصل الاجتماعي) تسمية صحيحة؟

وجدت الكثير من الإجابات في فيديو إنكليزي بعنوان(look up/ ارفع عينيك) يتناول تأثير التكنولوجيا الذكية الخَطر على واقعنا الاجتماعي، وقد أثار ضجة حول العالم، وهاكم ما ورد فيه:

(قد يكون لديك أكثر من 400 صديق ولكنك وحيد! قد تتكلم معهم جميعاً كلَّ يوم ولكن لا أحد منهم يعرفك حقاً، المشكلة التي تعانيها بسبب المسافة بينكم هي عدم قدرتك على النظر في عيونهم).
جلستُ متأملاً وفتحتُ عينيّ ونظرت حولي فأدركت أن كل الوسائط التي نسميها (تواصل) هي كل شيء عدا ذلك، فعندما نفتح حواسيبنا نغلق على أنفسنا الأبواب، كل هذه التقنية التي نملكها ما هي إلاّ وهم، نشعر أننا محاطون بالأصحاب في هذه المجتمعات لكن ما إن نبتعد عن هذه الأجهزة الخادعة ونستيقظ حتى نرى حولنا عالماً مشوشاً، عالمٌ يمتلئ بالعبيد لهذه التقنيات التي احترفنا استخدامها،
تُباع معلوماتنا من قبل وغدٍ طماعٍ غني، إنه عالمٌ يرتكز على الغرور والأنانية وتعزيز الذات حين نشارك أفضل ما لدينا مع الآخرين، ولكننا نستبعد المشاعر، نتظاهر بأننا سعداء بخوض هذه التجربة التي نتشاركها،
ولكن هل سيكون الأمر مشابهاً لو لم يكن هناك أحدٌ معنا؟ كن هناك لأجل أصدقائك وسيكونون هم معك أيضاً، ولكنك لن تجد أحداً منهم إذا كان إرسال رسالة إلكترونية يكفيك،
لقد بالغنا في تضخيم الأمور واعتدنا على المجاملات وتظاهرنا بأننا لا نلاحظ العزلة الاجتماعية التي نعيشها، كل ما يهمنا هو صف كلمات حتى تبدو حياتنا لامعة، بينما لا يمكننا أن نعرف حقاً ما إذا كان هناك أحدٌ ما يستمع لنا.

الوحدة ليست مشكلة. دعني أؤكد لك، أنه يمكنك أن تقرأ كتاباً أو ترسم لوحة أو تقوم ببعض التمارين، عندما تكون منتجاً وحاضراً دون أن تتحفظ من النتائج ستغدو يقظاً وواعياً للوقت الذي يمكنك استخدامه،
إذاً عندما تكون في الشارع وتشعر بالوحدة ضع يدك خلف رأسك وابتعد عن هاتفك لست بحاجة لأن تقلب طوال اليوم قائمة الأسماء لديك، فقط تحدث مع الآخرين وتعلّم أن تتعايش معهم، لا يمكنني أن أفهم الصمت الذي يخيم داخل القطارات المزدحمة حيث لا أحد يتكلم خشية أن يبدو مجنوناً،
إننا نغدو أشخاصاً غير اجتماعيين، فلم يعد يرضينا أن نخاطب الآخرين أو ننظر في أعينهم، إننا محاطون بأطفالٍ منذ ساعة ولادتهم يعيشون مثل الروبوتات وهم يظنون أن هذا طبيعي.
من المستحيل أن تصبح أروع أبٍ في العالم إن لم تستطع أن تُسعد طفلك دون استعمال (آيباد / ipad) حين كنتُ طفلاً لم أكن أعود إلى المنزل وأقضي كل وقتي في الخارج مع أصدقائي نركب على الدراجات ونعدو في كلِّ مكان، أما الآن فالحديقة هادئة تماماً، وهذا يصيبني بالقشعريرة فلا أطفال يلعبون، والأراجيح تنتظر في سكون، إننا جيلٌ من الحمقى، حيث الهواتف ذكية والناس أغبياء.

العدد 1107 - 22/5/2024