لن نتكلم عن الدولار!

منذ بداية الأزمة السورية وتداعياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كنا، وكان غيرنا أيضاً، ندلي بدلونا في سبيل تحصين بلادنا من الداخل، من باب الاقتصاد، وانعكاساته على الأوضاع الاجتماعية والإنسانية لجماهير الشعب السوري، واضعين أمام أعيننا حقيقة أثبتتها الحروب والأزمات في التاريخ قديماً وحديثاً، وهي أن ما لم يحققه العدو بالعدوان الخارجي المسلح، يجب ألا يحققه من خلال استغلاله لأخطاء السياسات الاقتصادية والاجتماعية في الداخل، التي تؤثر على صمود الشعب الذي يُعد بجميع المقاييس عامل الصمود الأساسي في الحروب والنزاعات المسلحة.

وللحقيقة نقول هنا: إن الاقتراحات والمساهمات المتنوعة التي ساهم بها خبراء الاقتصاد السوري لتحقيق هذه الغاية، كانت تجد في كثير من الأحيان صدى إيجابياً في الأوساط الحكومية وتقبلاً معقولاً في بعض الأحيان، لكن مسألة واحدة كانت عصية على التفاهم المشترك بين الاقتصاديين والحكومة، وهي مشكلة تراجع قيمة الليرة السورية مقابل القطع الأجنبي، وبروز مشكلة ارتفاع سعر الدولار إلى أرقام قياسية، ومدى انعكاس هذا الارتفاع على زيادة أسعار المواد الأساسية والخدمات، وتراجع الأجور الحقيقية، وظهور (تماسيح) المضاربة في الأسواق السوداء، والمعاناة الشديدة التي كابدتها جماهير الشعب السوري.

لقد تبين في سنوات الأزمة أن الحكومة تركت الأمر لإدارة المصرف المركزي، ورغم الانتقادات اللاذعة التي وجهت لهذه المعالجة، خاصة بعد صعود سعر الدولار إلى مستويات غير مسبوقة، والتي أظهرت خطأ السياسات المتبعة من قبل مسؤولي المصرف المركزي، كانت الحكومة تسمع فقط دون أن تتدخل في تصحيح هذه السياسات، بل لجأت في بعض الأحيان إلى الإطراء على دور المصرف المركزي في تخفيض سعر الدولار، دون أن تنتقد دوره هذا عندما يعاود الدولار صعوده.

لقد فهمنا وأدركنا اليوم أن المصرف المركزي عصيّ على الانتقاد، فكل من انتقد وسائله في معالجة الأزمة كان مخطئاً، أو بحاجة إلى تدعيم خبرته.. الجميع كانوا مخطئين، وسياسات المصرف المركزي وحدها الصائبة.. الصحيحة.. الناجعة.. حتى عندما تجاوز سعر صرف الدولار 340 ليرة سورية!

لم تقتنع الحكومة بأن معالجة سعر الصرف لا يتم فقط بالتدخل في سوق الصرف، بل بالعمل على إنهاض قطاعات الإنتاج الصناعية والزراعية، فهي التي تضمن قوة الليرة أمام العملات الأخرى. لذلك قررنا عدم التكلم بعد اليوم في مسألة ارتفاع سعر القطع، ولا في طرق التدخل التي يعتمدها المصرف المركزي، إذ يبدو أن هذا الأمر من المقدسات، ونحن لم نعتد التطرق إلى المقدس!

أما جماهير الشعب السوري المكتوية بنيران الأسعار المرتفعة بسبب تحليق الدولار، فقد ملّت الشكوى، خاصة بعد منظر المتدافعين على كوات مكاتب الصرافة لشراء ما قيمته200 دولار شهرياً، لأسباب رأت إدارة المصرف المركزي أنها ضرورية لتخفيض سعر الدولار، في حين رأت الفئات الفقيرة فيها إهداراً لاحتياطنا الاستراتيجي، وعاملاً من عوامل المضاربة في السوق السوداء التي يديرها، كما نظن، أثرياء الحرب وأعداء سورية وشعبها، المستفيدون من استمرار نزيف دماء السوريين.

العدد 1107 - 22/5/2024