السيد وزير الزراعة.. مبقرة زاهد تستغيث.. فهل من خطة لإنقاذها؟!

الحديث عن مبقرة زاهد، يعني الحديث عن سنوات من الإهمال والتسيّب في ظل إدارة ينخرها الانقسام مع العمال والموظفين. سنوات من تدهور القطيع.. كميات كبيرة من الحليب أتلفت.. أعداد من أفراد القطيع نفقت نتيجة الإهمال من جهة وعدم تجهيز المبقرة بالشكل المناسب من جهة ثانية. تتبع المبقرة للمؤسسة العامة للأبقار في حماة، وأنشئت في محافظة طرطوس على مساحة تقدّر بنحو 3000 دونم صالحة للزراعة بمساحة 2500 دونم، والباقي عبارة عن ساحات وحظائر ومبان إدارية. يقدّر الإنتاج اليومي من الحليب حالياً، كما أكد لجريدة (النور) مدير المبقرة الدكتور سلامي سلامي، بنحو 1250 كغ يسوّق إلى شركة ألبان حمص، فيما بلغ عدد القطيع في آخر إحصائية نحو 345 رأساً منها 177 حلاّباً.

تحدثت تقارير تفتيشية عن خلل في عمل الإدارة السابقة بالرغم من وجود بعض الكتب التي تبرّر ما قامت به تلك الإدارة، ولكننا هنا لسنا بوارد الدفاع عن احد أو الهجوم على أحد، ولكن ما يهمّنا هو زيادة إنتاج المبقرة واستمرار القطيع بصحة جيدة مع الولادات، فهل واقع الحال يبشّر بهذا في ظل جملة من المعانات التي تتراكم يوماً بعد يوم؟!

محجر صحي

في البداية أود التوضيح أن المبقرة عبارة عن هنكارات جهّزت على أساس أنها محجر صحي وليست مبقرة، وهي في الواقع تفتقر إلى الكثير من الشروط الصحية والإنشائية، إذ لا يوجد أبواب تقي القطيع من البرد والمطر والهواء الشديد لتكون مبقرة بمعنى الكلمة، ولا توجد أماكن مناسبة للولادات الحديثة، فلماذا لم تبادر وزارة الزراعة إلى تعديل ما يمكن تعديله على وضعها الراهن بدلاً من التسويف بانتظار نفوق عدد آخر؟!

تقارير

صدر التقرير التفتيشي الأولي برقم 5/ ي غ تاريخ 30 حزيران 2014 المتضمن نتائج التقصي والتدقيق حول ما جاء في شكوى أحد أعضاء اللجنة النقابية بخصوص الفساد والتجاوزات المنسوبة لمدير المبقرة السابق، والتي تمحورت حول الواقع الإنتاجي للمبقرة وتجاوزاته، علماً أن عضو اللجنة المذكور قد فُرِض بحقه عدد غير قليل من العقوبات، سواء تلك التي فرضها مدير المبقرة أو المدير العام، وكذلك الحال بالنسبة لرفيقيه موضوع الشكوى وهؤلاء من اللجنة النقابية التي قال مدير المبقرة السابق حسب الكتب الموقعة والمصدقة أصولاً بأنهم كانوا ضمن لجان إتلاف الحليب التي أثاروها والبحث عن أسواق للتصريف، كما هو مبين في الكتاب رقم 132/ و.د والكتاب رقم 109/ص.ح، والأمر الإداري رقم 11 والكتاب رقم 320/ و.د، كما أنهم حسب رأي ذلك المدير السابق هم السبب في تراجع الإنتاج، كما هو مبين في عدّة كتب.

تعثّر منذ الانطلاق

ذكر تقرير مدير إدارة الرقابة الداخلية في المؤسسة العامة للمباقر في الكتاب المرسل إلى المدير العام أن مخطط الانطلاق كان بـ 379 بقرة في 1 كانون الثاني2013 بينما المنفذ 303 بقرة، وأن المتوسط المذكور في كتاب إدارة الإنتاج الحيواني هو نهاية شهر كانون الثاني 2013 وأن النقص عن المخطط سببه ما تعرّض له قطيع المبقرة من انتكاسات صحية (تسمم خلال شهر آذار كما هو مبين بتقرير المهمة لكل من رئيس شعبة الأمراض المعدية ورئيس شعبة المستوصفات ورئيس دائرة الصحة الحيوانية المسجل لدى ديوان مبقرة طرطوس برقم ،142 فقد أدى هذا التسمم إلى إصابة 64 بقرة ذُبح 17 منها ونسّقت 4 بقرات. إضافة إلى ما سبق جاءت الإصابة بمرض الحمى الزائلة خلال أشهر آب وأيلول وتشرين الأول) ولم يقف الأمر عند هذا، بل أصيب القطيع خلال شهر أيار من عام 2013 وما بعده بمرض التهاب الجلد العقدي، ما أدى إلى استبعاد 31 رأساً حتى نهاية شهر نيسان 2013.

إن عدم إدخال بكاكير تؤدي لزيادة القطيع كان بسبب الإجهاضات التي حدثت في الأبقار المتقدمة الحمل بنسبة 95% ولمدة أربعة أشهر متتالية ابتداء من آب، وبذلك قُضي على موسم 84 بقرة وبكيرة خلال أربعة أشهر، فمن المسؤول عن هذه الحالات خلال عام 2012؟!. إضافة إلى استبعاد بكاكير مجموعة الثور التي كان مخططا لها أن تلد خلال 2013.

الولادات

ذكر تقرير الرقابة الداخلية في المؤسسة العامة للمباقر أن عدم تحقيق خطة الولادات كما بيّن كل من رئيسي قسمي الصحة الحيوانية والإنتاج الحيواني يعود إلى الإجهاضات التي حدثت خلال عام 2012 بعد الإصابة بمرض الحمى الزائلة خلال آب – أيلول – تشرين الأول، التي أدت إلى حدوث إجهاضات بالأبقار الحوامل والبكاكير على حد سواء، إضافة إلى نفوق العجول الرضيعة بسبب إصابتها بالتهاب الجلد العقدي وبسبب عدم تجهيز حظيرة العجول الرضيعة بالشكل النموذجي.

يذكر التقرير بأنه من خلال تدقيق التقارير الشهرية للإنتاج الحيواني تبين انخفاض نسبة الأبقار الحلابة وارتفاع نسبة الجواف (الحامل وغير الحامل)، فقد ارتفعت نسبة الجافة من 30% إلى 42.7% من الأبقار!

جولة

في الجولة التي قام بها رئيس نقابة العمال برفقة أمين شؤون العمل في مكتب النقابة، إضافة إلى مدير المبقرة بتاريخ 26 كانون الثاني 2015 بيّن تقرير الجولة بناء على كلام بعض الفنيين واللجنة النقابية السابقة والحالية في المبقرة، أن المبقرة شهدت تدهوراً كبيراً وتراجعاً ملحوظاً للإنتاج، وقد أرجعوا السبب إلى عدة نقاط منها عدم القدرة على تأمين الأعلاف لعدم توفر السيولة المالية، بسبب قلّة الإنتاج، إضافة إلى سوء المحلب من الناحية الفنية، ثم إن حظائر العجول الرضيعة غير مناسبة لتربية العجول، مما ينعكس سلباً على زيادة القطيع.

عمال المبقرة غير مشمولين بالضمان الصحي بالرغم من تعرضهم لإصابات العمل والأمراض المشتركة، علماً أن طبيعة العمل لا تتناسب مع واقع عملهم إذا ما نظرنا إلى تأخر الرواتب، فإننا سندرك معاناة العمال في المبقرة.

مقترحات

في نهاية الجولة كان للّجنة عدة مقترحات تمحورت حول ضرورة العمل على حل المشكلات السابقة وإدخال دورات زراعية في المحطة من أجل تحسين دخل المحطة وتأمين مولدة كهربائية احتياطية بسبب الأعطال المتكررة للمولدة الحالية، وعدم القدرة على حلب الأبقار في الأوقات المناسبة، مما ينعكس سلباً على الإنتاج والعمل على ترميم المبقرة وتحسين وضع الحظائر ورفد المبقرة بأبقار سليمة والاعتماد على مخابر طرطوس من أجل فحص العينات المأخوذة من العجول.

صعوبات ومعوّقات
أكّد مدير المبقرة أن هناك عدداً من الصعوبات والمعوقات تقف في طريق تحقيق نقلة نوعية وسريعة للمبقرة منها:

– ضعف الإنتاج من حيث الحليب واللحم والروث فهو لا يغطي تكاليف الإنتاج ورواتب العمال والموظفين وأجور الصيانة وتجهيز الحقول من أجل زراعتها لأنها الرافد الأساسي لتغذية القطيع.

– زيادة أجور نقل التبن والدريس من مشروع سهل الغاب إلى مبقرة طرطوس بعد زيادة سعر المازوت، إذ يكلّف نقل الطن الواحد أكثر من 15 ألف ليرة سورية.

– أسعار عقد الحليب مع شركة ألبان حمص بـ 67 ليرة سورية للكيلو هو إجحاف بحق المبقرة والعاملين فيها، خصوصاً بعد ارتفاع أسعار الأعلاف من 40 ليرة للكغ الواحد إلى 46 ليرة.

– تحليل الحليب في مخابر حمص والفروق الكبيرة بين مخابر المبقرة ومخابر الشركة في حمص، فنسبة الماء في مخابر المبقرة لا تتجاوز 1%، في حين أنها تتراوح بين 3و15%، أمّا نسبة الدسم فهي في مخابر المبقرة 3.5% في حين أنها لا تتجاوز 2.7% في مخابر ألبان حمص وليس هناك من إمكانية لإرسال مندوب من المبقرة مع كل إرسالية حليب إلى حمص.

– المعاناة مع مؤسسة الأعلاف الناتجة عن المديونية البالغة 4 ملايين ليرة سورية وعدم تسليم الأعلاف من قبل المؤسسة للمبقرة، إلاّ بعد تسديد المبلغ المذكور مع الإشارة إلى أن المبقرة مدينة لأكثر من مؤسسة حكومية في طرطوس كالكهرباء والزراعة على سبيل المثال.

– المبقرة بحاجة إلى دعم مادي ودعم بالقطيع (بكاكير جديدة) وتحويلها من محجر صحي إلى مبقرة حديثة.

– المبقرة بحاجة إلى كادر مهني مؤلف من (مهندس زراعي لقسم الإنتاج الزراعي- محاسب مالي ذي خبرة- طبيبين بيطريين- مراقب زراعي).

خلل في الأعلاف

في الكتاب رقم 96/ ص.ج تاريخ 1 آذار 2015 الموجّه من مدير المبقرة إلى السيد محافظ طرطوس والمرفق به تحليل عينة أعلاف من مستودع المبقرة إنتاج المؤسسة العامة للأعلاف – فرع طرطوس، يوضّح فيه أن هذه العينات مخالفة للمواصفات القياسية السورية، وهذا ما يؤثر على الإنتاج سلباً من النواحي كافة ومن الواضح أنه لم يحصل أي تحسّن في الإنتاج مع العلم أن الأعلاف المستجرّة حتى تاريخ الكتاب سيئة للغاية (كما يوضّح كتاب مدير المبقرة)، مما سيؤثر مستقبلاً على صحة الحيوانات وإنتاجها.

علماً أن هناك كتاباً آخر برقم 1015 /أ.ح تاريخ 29 كانون الأول 2014 مرسل من وزارة الزراعة إلى مديرية الزراعة والإصلاح الزراعي بطرطوس – دائرة الإنتاج الحيواني تتضمّن نتائج تحليل عينتين علفيتين، وتؤكد عدم مطابقتها للمواصفات القياسية السورية رقم 2085 للعام 2010 لمادة جاهز أبقار حلوب بسبب انخفاض نسبة البروتين الخام ونقص في كميتي الفيتامينات.

علامات استفهام

ما يدعو إلى الاستغراب ووضع علامات استفهام هو ما جاء في كتاب المدير العام للمؤسسة العامة للأعلاف برقم 3046/م ع ص / ق تاريخ 13 / 10 م 2011 الذي يبرّر الخلل في النسب من الفيتامينات والمواد الأخرى في الأعلاف، إذ يقول الكتاب بأنه ليس من الضروري إضافة الفيتامينات والعناصر المعدنية التي يمكن توفرها في الغذاء نفسه المقدّم إلى الأبقار، بناء على كتاب وزارة الاقتصاد تاريخ 31/12/2009 الذي يوصي بعدم التدقيق على مادة جاهز أبقار حلوب المنتجة في المعامل للمؤسسة العامة للأعلاف من ناحية الفيتامينات والعناصر المعدنية؟! وهنا نسأل: على ماذا يتم التدقيق يا وزارة الاقتصاد إن كان ذاك الكتاب ساري المفعول؟!

أخيراً: المبقرة من المنشآت الاقتصادية الهامة التي من الضروري لها أن ترفد الاقتصاد الوطني بالمزيد من الدخل، ولكن السؤال الذي يفرضه الواقع الحالي: هل تفكّر وزارة الزراعة بخطّة عاجلة لإنقاذ مبقرة زاهد التي تستغيث قبل فوات الأوان ياترى؟! سؤال برسم السيد وزير الزراعة فهل ستشهد الأشهر القادمة الإجابة عنه؟!. هذا ما نتمناه.

العدد 1107 - 22/5/2024