علوم مشبوهة تسمو على حساب العلوم العريقة

يتضمن العِلم قوانين ونظريات وفرضيات، ومع الأسف يهتم معظم العرب بالفرضيات الغريبة ويتحدثون عنها وكأنها مسلمات أو نظريات، ويتطلعون إليها أكثر من سعيهم لفهم القوانين العلمية أو التعمق بالنظريات العلمية. ويكفي أن تقيم جامعة ما من أصل آلاف الجامعات حول العالم قسماً يتناول هذه الفرضيات الغريبة حتى تنطلق مجموعة من الراغبين بالانتفاع من تجارة جديدة لا منافسة فيها الى إطلاق تسمية علم على تلك الفرضيات، وانتحال درجة علمية ما فيما يسمونه (الاختصاص العلمي الجديد).

وبالانتقال للحديث عن أحد تلك العلوم المشبوهة (علم الطاقة) فنحن نلاحظ البعد التجاري الفاضح لمزاولي ما يسمى بعلم الطاقة، إذ يطلب أحدهم مبلغاً قد يفوق ما يتقاضاه مهندس الديكور مقابل أن يوزع أثاث المنزل بطريقة تعزز الطاقة الإيجابية في المنزل، أو يقوم ببعض الحركات المكررة بما لا يتجاوز عشر دقائق ليسحب من جسدك الطاقة السلبية، ويأخذ منك قدر ما تدفعه للطبيب عادة أو أكثر.

والسؤال الذي يطرح: لماذا لا يسعى المهتمون بما يسمى العلوم الحديثة البديلة كأي علماء محترمين للترويج لهذه العلوم الجديدة ونشر فوائدها بين الناس دون أن يفرغوا جيوب الناس من المال المشبوه؟! وهل نحن كعرب لدينا ما يكفي من مستشفيات ورعاية صحية وتكنولوجيا طبية؟ هل نراقب نظامنا الغذائي بحيث لا نتناول أطعمة مضرة على المدى البعيد؟ وهل نسعى لخفض التلوث في مدننا الكبرى؟ هل نحن كعرب نطبق كل ما توصي به العلوم العريقة الكبرى حتى ننتقل الى الاهتمام بهذه العلوم المحدثة المزعومة؟

منذ بضعة أيام استضافت قناة (سما) في برنامجها الصباحي إحدى الخبيرات بعلم الطاقة، وقد تحدثت عن أهمية الاستحمام بالماء والملح لغسل هالة الطاقة الخاصة بالشخص ومنحه طاقة إيجابية وفق تعبيرها، ونصحت أيضاً بوضع حفنة من الملح في جيب البنطال على الدوام، وتحدثت عن مسائل أخرى أجدها غريبة ولا مجال لذكرها، ولعلّ السؤال المنطقي الذي يطرح: هل سكان السواحل حول العالم الذين يقصدون البحر بشكل يومي أو شبه يومي هم أناس هالتهم نظيفة على الدوام وينضحون بالطاقة الإيجابية؟! ألم تخض مدن ساحلية عديدة حروباً مدمرة؟ ألم تشن عدواناً على مدن أخرى عبر التاريخ؟ هل الجرائم في المدن الساحلية لا تختلف نسبتها كثيراً عن المدن غير الساحلية؟! وهل باعة الملح هم إيجابيون أكثر من غيرهم من الباعة لأنهم مُحاطون على الدوام بالملح الذي يعمل على امتصاص الطاقة السلبية الصادرة عنا أو المتجهة إلينا من الآخر، وفق مزاعم خبراء علم الطاقة المزعوم؟!

شهدت ذات مرة في مهرجان شذا الياسمين الثقافي فقرة عن علم الطاقة تحدثت فيها الخبيرة عن فوائد الأحجار الكريمة وزعمت أنها كانت تؤثر إيجاباً على الملوك الذين يرتدون تيجاناً مرصعة بها، وزعمت أيضاً أن وضع اللؤلؤ والزمرد في حوض الاستحمام او السباحة هي مسألة إيجابية للجسد وللسلامة الشخصية، وكانت تتحدث بشغف أيضاً عن وضع بعض أنواع الجواهر تحت الوسادة، وكان الحضور الذي معظمه من عامة الناس من الطبقة الوسطى ينظر إليها مستغرباً تلك النصائح التي تقدمها في خضم سنوات الأزمة العجاف.

طبعاً هذه السيدة كانت الخبيرة الوحيدة التي سمعتها تقدم خدماتها في مجال علم الطاقة مجاناً، ومع الأسف بدت لي تعيش خارج الواقع ومقتضيات المنطق، وقد عملت لاحقاً لأني في الهيئة الإدارية للمهرجان على إلغاء هذه الفقرة، وأنا عن نفسي أتعامل بحذر مع أي فكرة أو شيء يتبناه أو يحتشد حوله أكثر ما يحتشد أناس غريبو الأطوار.

العدد 1105 - 01/5/2024