فلسفة الطاقة والوجودية

يأتي الأنسان وجوداً بلا ماهية، وعليه بعد ذلك أن يضطلع بمهمة ثقيلة وصعبة (رسم ماهيته)، فالخيار في يده إذاً والكرة في ملعبه.

عرفت الفلسفة الوجودية هذا المبدأ وتيقّن منه روادها المعروفون تمام اليقين، فلا خيار آخر لشيء- لا للطبيعة ولا للقدر ولا للجينات ولا للمحيط، ولا علاقة لأحد برسم ماهية الإنسان إلاّ الإنسان ذاته!! واليوم، نجد أن الفلسفة الوجودية الحديثة قد تحولت إلى أدوات تزعم من خلالها (علوم طاقة الكي_ وقانون الجذب_ وحقيقة ودلالة الهالات_ وطاقة الجليد… الخ) هذه العلوم الطاقوية حديثاً والمنتشرة بشكل كبير بين أمهات العلوم والكتب تزعم قدرتها على تغيير جذري وكامل لحياة الإنسان بجذب كل ما يحب وخلق كل مناخ اجتماعي يلائم رغبته، ولكل علم منها تخصص لتنمية طاقة ما بالإنسان على حدّ زعم مروّجيها ومدّعيها.

وللأمانة يجب القول إن هذه العلوم ليست جديدة، بل هي قديمة وقديمة جداً، وهي الشكل الآخر من الفلسفات والديانات الشرقية القديمة، وتحديداً ما بين كل من الصين والهند، وبذور هذه التصورات تتضح في الفكر الصيني ممثلة في مذهب (الطاوية) الذي أسسه (لاوتسو) في القرن السادس ق.م_ وهو حكيم غامض، أكمل بعده كونفوشيوس إصلاح وتنقيح هذه الديانة التي تعتبر أن للإنسان قدرة على إنشاء ارتباط بينه وبين كل الظواهر والحوادث الطبيعية في الكون والروح ذات الفضيلة العظمى، وبالتالي إخضاع الطبيعة للإنسان المطهر الروح من الرذيلة، وذلك بقوة سحرية من خلال جعل الطبيعة والوجود طوع بنان الإنسان، وهذا لب التفكير الصيني. ومن ناحية أخرى تجد عند الهنود شبهاً بين هذه الاعتقادات وبين (البرهمانية) الهندية و(الفيدا) التي تدعو إلى تقديس الروح واستمداد الطاقة من الأجداد وتوريثها للأبناء لرسم معالم وملامح المستقبل والحاضر.

والغريب اليوم أن تجد هذا الإقبال الهائل على الوهم والرقاعة الفكرية والرغبة بتسطيح وتعويم فكر الإنسان ومعنى الوجود وقوانين الله والقدر وقيمة الأخلاق ومبادئ القيمة التجريبية والعلوم الوضعية.  ومن الأفضل ألا تؤخذ هذه العلوم على محمل الجد، وإنما أن يجري تناولها من باب الاطلاع والمعرفة، وكذلك من مبدأ التشويق والانجذاب لا التمرّن والتطبيق، لأن بعد ذلك سيجد القارئ والمتمرس أن الواقع لا يتغيرّ بالوهم والتخيّل…

 

العدد 1105 - 01/5/2024