الحرب المجنونة ضد سورية.. المخفي أعظم مما هو ظاهر!

الأحداث التي تعصف بالمنطقة وتتصادم وتختلط فيها المصالح الخاصة والعامة لدول كثيرة عربية وإقليمية وبعيدة، سواء كانت المصالح سياسية أو اقتصادية، تشتد ضراوة كلما اقتربت من نهاية لها، بغض النظر عن الرابح والخاسر.. تشتبك هذه الأحداث اشتباكاً جنونياً، ويدخل الإعلام بقوة على خط الأزمات، ويفعل فعله الذي يوازي الفعل العسكري وقد يتفوق عليه في مسائل التأجيج والتحريض والتزييف وتشويه الحقائق أو قلبها رأساً على عقب، ما أدى إلى ارتباك في مواقف الكثير، وإلى فوضى في تحليلات يذهب بعضها إلى متاهات ومجاهيل لا وجود لها إلا في عقول بعض المحللين الغائبين عن المشهد وساعته.

غنيّ عن الذكر أن لا شيء يجري دون حساب للمصالح والمكاسب من قبل هذا الطرف أو ذاك، ولاشيء يجري منفصلاً عن المشهد العام في المنطقة، فالكل ينشد الربح، ويسعى لإنجاح مشروعه، وبالتالي هذا يقود إلى القول بأنها (حرب مجنونة)!

من خلال هذه النظرة الشمولية إلى واقع ما يجري من جنون، يمكن الربط بين ما يجري في سورية خاصة، والتطور اللافت الذي فرض نفسه بالدخول الصاعق لروسيا على خط الأزمة السورية، واستعداد دول أخرى للمشاركة مثل الصين ومجموعة دول البريكس، ما يعجل بانتصار سورية ومحور المقاومة عموماً على هذه الهجمة الأمريكية – الغربية غير المسبوقة التي تعرضت لها سورية منذ نحو خمس سنوات تقريباً، وبالتالي اندحار الإرهاب ومن ورائه الدول التي موّلته وسلّحته ودرّبته وقدمت له كل التسهيلات البشرية واللوجستية. ولاشك في أن هذا الانتصار الذي لم يعد بعيداً، سيفرض حضوراً لروسيا الاتحادية لا يمكن تجاهله، لتحتل موقع قطب ثان، ولكنه قطب مختلف عن القطب الأمريكي، بمعنى أنه سيشكل صمام أمان في إدارة شؤون العالم وتحقيق العدالة في المعايير الدولية المختلة، وهذا يعني فشل مشروع الهيمنة الأمريكية وسقوط مشروع (إسرائيل الكبرى) وسيادتها على المنطقة،كما كان مخططاً لذلك.

إن هذا التصعيد الذي يجري على أرض فلسطين لم يكن وليد المصادفة، بل كان عن سبق إصرار وتصور في تأجيج الوضع من خلال المسّ بالقيم الروحية (مدينة القدس ورمزها الخالد المسجد الأقصى)، فالصهاينة ومن وراءهم يدركون تماماً ماذا يعني هذا المس أو الاعتداء، ولكنهم يريدون خلط الأوراق وصرف الأنظار عن حدة المشهد وما يجري في سورية من تدمير ممنهج، وما يحققه الجيش السوري من انتصارات على الأرض، ولاسيما بعد دخول الطيران الروسي على الخط، لأن مثل هذه الانتصارات التي بدأت، ستبدد أحلام الصهاينة وتفشل مخططاتهم الرامية، لابتلاع لا المنطقة فقط، بل أيضاً للاستيلاء على الخيرات والثروات التي بدأ الإعلان عن اكتشافها في باطن الأراضي السورية وفي مياهها الإقليمية، فقد قدّر مسح جيولوجي أمريكي أجري في وقت سابق وجود ما يقارب 122 تريليون قدم مكعب من الغاز في حقل غازي، أطلق عليه اسم (تامار) في موقع الحوض الشرقي الذي يشمل سواحل لبنان وسورية وفلسطين، وأكثر من مليار ونصف مليار برميل نفط في حوض ساحلي ومائي سوري يمتد من لواء إسكندرون إلى جنوب غزة.

كما اكتشف 14 حقل نقط وغاز في سورية، وهذا من شأنه أن يضع دولة الكويت مثلاً في مؤخرة الدول المنتجة للنفط في المنطقة.

لقد جاء في مقالة مصدرها (غلوبال ريسيرتش) تُرجمت إلى العربية:

(إن اللعبة الكبيرة تدور اليوم في سورية بين محورين، يضم الأول كلاً من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وتركيا والسعودية وقطر، أما الثاني فيتألف من روسيا والصين وإيران، وهذا الاصطفاف يبرهن على أن البحر المتوسط أصبح اليوم امتداداً للصراع والتنافس الدوليين الساعين للسيطرة على مصادر الطاقة الرئيسية الآسيوية القوقازية، كما أن إسرائيل تشارك في هذه اللعبة، إذ لا تقتصر أهدافها على تحييد سورية وعزلها عن إيران، بل تمتد إلى موضوع الغاز الطبيعي الموجود في المتوسط وتريد حصة منه).

وهذا يدل على أن الانتهاء من توصيل الخطين (الإيراني- السوري- العراقي) والخط (الإيراني- الباكستاني)، ثم إيصالهما إلى الصين، سيشكل ضربة قاسية للتفوق الأمريكي الحالي، وهذا يرتب على الولايات المتحدة الاستمرار في محاولات منع إكمال أي من هذين الخطين. جدير بالذكر أن خط الأنابيب هذا يهدف إلى إيصال الغاز الإيراني إلى الشواطئ الشرقية للمتوسط، ويمكن بطبيعة الحال عكس اتجاه سيره، كما أن الغاز الموجود في السواحل السورية واللبنانية يمكن أن يرسل شرقاً عبر الخط المذكور باتجاه باكستان، ثم إلى الصين.

من هنا يمكن فهم أن الحرب التي تشنها واشنطن على سورية بوسائل مختلفة على رأسها (الإرهاب)، وعلى خلفية أن سورية (تقع على بحر من النفط في أرضها وبحرها)، ومنها اكتشاف ثروات نفطية هائلة في  الجولان تكفي لتمويل إسرائيل لدرجة الاكتفاء والتصدير لعقود قادمة، لهذه الأسباب تشن هذه الحرب الإرهابية الكونية على سورية في مسعى للسيطرة على هذه الثروات ومنع روسيا وحلفائها من التحكم بأسعار النفط والغاز، ولهذا قيل، وهو قول قريب من الحقيقة، بأن من سيسيطر على سورية جغرافياً، سيمسك العالم اقتصادياً بين يديه.

جدير بالذكر أن الحكومات الأمريكية كانت دائماً لا تركز (إعلامياً) على هذه الأمور وتفضّل عدم الخوض فيها، كي لا يصل الفهم بكامله إلى الشارع العربي، ويبقى بعيداً عن معرفة الأهداف الأمريكية في المنطقة، بل جرى التركيز تركيزاً مكثفاً على الجانبين الديني والمذهبي، وعلى رفع شعار الإسلام هدفاً وغاية، والعزف على أوتار الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وغير ذلك، بحيث تُصرف الأنظار عن مجرد التفكير بما تحتويه سورية من ثروات تفتح شهية الطامعين، وبقيت واشنطن تردد مقولتها المشهورة في آن (سورية لا تعوم فوق بحيرة من النفط والغاز).

المهم أخيراً أن ما يجري على الأرض غيّر قواعد الاشتباك، ونقل حجم القوى الفاعلة على الأرض من موقع الدفاع والاستيعاب إلى موقع الاقتحام والتقدم..

أمر آخر وهو أن ما يجري على أرض فلسطين من هبة شعبية يشير إلى ضخ دماء جديدة، شابة، في مسيرة المقاومة الشاملة للمشروع الصهيوني، ولا يمكن فصل ما يجري في فلسطين عما يجري في سورية والمنطقة.

باختصار.. إذا ما عُرف السبب بطل العجب.. كما يقال.

العدد 1107 - 22/5/2024