أولويات تُمنح ولكن!

تطلعاً إلى الحضارات الراقية والمجتمعات الصناعية الناهضة والتي مازالت في توسع لا يعرف حدود الاكتفاء في دول الجدير بنا ذكرها(كاليابان) هذا الكوكب الصناعي المسيطر في منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ. ففي أعقاب الحرب العالمية الثانية، وبعد أول هجوم نووي في العالم وماخلفته هذه الحرب من أضرار كارثية، أحدثت اليابان نقلة نوعية وتقدما نموذجيا في الصناعات والاختراعات التقنية لتصبح من الدول الأكثر تقدماً عالمياً.

وقياساً لذلك التطور، بقينا نحن أفراداً ومجتمعات حبيسي التعليم التلقيني ومصابين بوسواس الاستخفاف بفروع التعليم الصناعي والمهني، انطلاقاً من موقف الأهل الرافضين لهذا الجانب باعتباره الأقل مكانةً والأسوأ احتمالاً.

فإذا ما أخذنا بالأسباب، فإن الدولة والقطاع التعليمي هو المؤثر والفاعل في هذا التهميش السلبي، على اعتبارٍ منّا ومن الجهات المسؤولة أنه الأقل استحقاقاً، فمجتمعاتنا التي عرفت التعليم المهني في القرن الماضي، لم تُحدث تغييراً أقل قليله في هذا المجال (الصناعي) لا من حيث الدعم الإيجابي ولا من حيث تعزيز فروعه المتعددة للنهوض ليس بجيل مخترع، ولا بكيان دولي كبير صناعياً، بل للنهوض بمجتمع أقل بطالةً وتخلفاً.

ولجوءاً إلى مصطلح الأولويات الممنوحة لباقي الفروع التعليمية الأخرى غير المهنية، فإنها ولم تلقَ أو تُحدث أية نقلة نوعية على مختلف المستويات المجتمعية والفردية، ولم تسدّ مسدّ نسب البطالة من فئة الشباب ذوي التحصيل العلمي القليل وخريجي الجامعات والمعاهد المتوسطة العاطلين عن العمل!!

فالاعتقاد السائد بدونية التعليم الصناعي، والنظر إليه على أنه مضيعة للوقت بات فكرة لابدّ من طرحها جانباً، لتعزيز الدور الصناعي في تحقيق الاكتفاء الذاتي والنهوض بالوضع الاقتصادي والاجتماعي، وتوفير العمالة لفئة الاختصاصيين وذوي التحصيل العلمي القليل… وإمكانية تحقيق ذلك كله لا يتحقق إلاّ بالدعم عالي المستوى للفروع المهنية والصناعية.

العدد 1105 - 01/5/2024