نـدوة في مقـر الشــيوعي الســوري الموحـد لمناقشة التقـريـر الاقتصادي والاجتماعي

بيّن الأمين العام للحزب الشيوعي السوري الموحد أن من واجب الحزب إعطاء الأجوبة حول آفاق الاقتصاد السوري، مشدداً على أن الاقتصاد وانعكاساته على الواقع الاجتماعي والمعيشي، يشكل جزءاً كبيراً من الأزمة الطاحنة التي تعيشها البلاد منذ قرابة خمسة أعوام

كلام نمر جاء خلال افتتاح ندوة أقامها المكتب الاقتصادي للحزب وجريدة (النور) يوم الثلاثاء 4 آب 2015 بمشاركة عدد من الباحثين الاقتصاديين لمناقشة التقرير الاقتصادي والاجتماعي الذي سيقدم إلى المؤتمر الثاني عشر للحزب الشيوعي السوري الموحد، الذي نُشر على صفحات جريدة (النور).

وبيّن الرفيق فؤاد اللحام، عضو المكتب السياسي، انفتاح الحزب على كل الأراء والمقترحات بغية تطوير المشروع،  مشيراً إلى أن التقرير موجز ومركز ومدعم بالأرقام والإحصائيات، مؤكداً أن غياب الأرقام مشكلة في سورية قبل الأزمة وخلالها.

كما أكد أن التقرير -كعادة الحزب- لا يكتفي بانتقاد السياسات فقط وإنما نقدم البدائل والمقترحات التي نسعى دائماً لتكون عملية، لافتاً إلى أن المقترحات بعد إقرار التقرير ستتحول إلى برنامج عمل.

دهّان: غياب معادلة الطاقة عن حسبان الحكومة انعكس على المواطنين

رأى الباحث فهد الدهان أن الأزمة السورية ليست نتيجة مؤامرة خارجية فقط، وإنما يوجد أسباب داخلية أدت للوضع الراهن، ومنها ضيق الهامش الديمقراطي والتعامل بالعقلية الأمنية التي صادرت الحريات، يضاف إلى ذلك ضعف السياسات السابقة، وانتقد استمرار اعتماد الحل العسكري للأزمة إضافة إلى التبديلات والتعيينات العشوائية، وشدد على ضرورة استقلال القضاء ونزاهته قبل العمل على النهوض بالاقتصاد وإنعاش الاستثمار.

وفيما يتعلق بالاحتياطي النقدي لدى المركزي السوري تساءل: ألم يستنفد الاحتياطي بعد؟ وماذا فعلت الحكومة لتخفيف الضغط على زيادة الطلب على القطع الأجنبي؟ وانتقد قرار السماح بتصدير العواس في حين يوجد مواطنون سوريون لا يتمكنون من شراء اللحوم والبيض والفروج بسبب ضعف قدرتهم الشرائية، قائلاً: إن تأمين القطع الأجنبي ليس مسوغاً لقرارات كهذه؟! وبالنسبة لموضوع الطاقة قال: (أين هي معادلة الطاقة التي يجب أن تؤخذ بالحساب قبل تحريك أسعار حوامل الطاقة، خاصة أنه تم تبديل أسعارها مرات عدة خلال الأزمة فانعكست سلباً على المواطنين وزادت معاناتهم).

كما أكد أن القطاع العام هو الذي بنى سورية على الرغم من مشاكله الكبيرة، وأنَّ الكثيرين من السماسرة واللصوص رفعوا شعار إصلاحه ولكنهم يواصلون خفية إيصاله إلى وضعه الحالي.

صالح: خضوع الاستثمارات لأهداف التنمية  الاقتصادية والاجتماعية لا أن تؤدي إلى اقتصاد ريعي خدمي

وأشار الباحث الاقتصادي يونس صالح أن التقرير يشكل خطوة نوعية مقارنة بالتقرير السابقة من حيث المنهجية المتبعة ومعالجة القضايا التي تمس شعبنا، واقترح أن يدخل التقرير مباشرة بموضوع تحديد سمات الفترة التي سبقت الأزمة، كما انتقد السياسات النيوليبرالة التي كان من أبرز سماتها الانفتاح الذي لم يكن الاقتصاد السوري مستعداً له في تلك المرحلة، فأمسى متأزماً وغير قادر على المنافسة، يضاف إلى ذلك إضعاف الدور الاجتماعي للدولة وإضعاف الدعم للزراعة الذي تجلى خلال الأزمة في تدهور الأمن الغذائي.

وفيما يتعلق بموضوع الاستثمارات طالب الحزب بتحديد رأيه منه، مؤكداً أن الاستثمارات يجب ألا تكون اعتباطية، بل يجب أن تخضع لأهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية لا أن تؤدي إلى اقتصاد ريعي خدمي.

وشدد أيضاً على تشجيع القطاع الخاص الإنتاجي، وانتقد اختلال العدالة في توزيع الدخل القومي قائلاً: (إن عدالة توزيع الدخل لم تكن موجودة أبداً ولكنها اختلت حالياً لصالح الفئات الثرية)، مؤكداً أن السياسات الاقتصادية التي اتبعت قلصت الطبقة الوسطى.

واقترح أن يدرج التقرير موضوع اللاجئين والفساد الذي يعتري توزيع المساعدات المقدمة، وطالب الحزب بوضع مقترحات لضبط الأسعار.

وبالنسبة للنقابات لفت إلى فقدانها لمصداقيتها كاملاً، وهي تحولت إلى سلطة ويجب تفعيل دور النقابات اقتصادياً.

القلاع: تأسيس مناهج تربوية جديدة تؤسس لبناء إنسان جديد

وقال رئيس اتحاد غرف التجارة السورية غسان القلاع إن المهم اليوم هو من أين نبدأ؟ وكيف نبدأ؟ وانتقد مؤتمرات الحوار الوطني والمؤتمرات الاقتصادية التي جرت إذ لم تؤخذ بعين الاعتبار النقاط التي قدمت خلالها، لافتاً إلى ضرورة العمل على توحيد وجهات النظر وتقريبها ليكون الهدف واحداً واضحاً.

وفيما يتعلق بالاستثمار أكد القلاع أن المستثمر الخارجي يسعى للربح، ولكن المطلوب تهيئة الظروف والقوانين للعمل.

وربط رئيس اتحاد غرف التجارة السورية مشاكلنا مع بدء تدهور التربية وتراجع المستوى التعليمي مطالباً بتأسيس مناهج جديدة تؤسس لبناء إنسان جديد، وانتقد تصريحات البعض عن غياب الحرية السياسية قائلاً: (نحن لم نحاول إيجاد الحرية السياسية بل اكتفينا برفع الشعار).

وعن الاحتياطي النقدي لخزينة المركزي قال: (المشكلة التي تهم المواطن ليست ضعف الاحتياطي النقدي بل القدرائية الشرائية للعملة الوطنية، مشيراً إلى أن أكثر من نصف محلات (الحريقة) أجّرها أصحابها لعدم قدرتهم على تحمل تكاليفها).

وختم حديثه بالقول: (بدأنا نهضتنا الاقتصادية بالتزامن مع الصين وكوريا الجنوبية واليوم أين أصبحوا هم وأين نحن؟).

فضلية: المستثمر الأجنبي لا يأتي إلى سورية إلا إذا كان له شريك سوري متنفذ

وأكد الباحث الاقتصادي الدكتور عابد فضلية أن سورية مقدمة على حل سياسي للأزمة السورية لا محالة، ولكن شكله ومخرجاته غير معروفة بعد، لذلك المستقبل مجهول.

كما نبه إلى قضية اللاجئين والنازجين المنتشرين في داخل البلاد وخارجها، متسائلاً عن مستقبلهم خاصة أن أعدادهم وصلت إلى ملايين، ولكنهم مازالوا غير محسوبين في العقل السوري حتى الآن، وبين أن من أسباب الحديث بالعموميات هي ضعف الإحصائيات وغياب الأرقام الحقيقية.

وشدد أيضاً على ضرورة الاهتمام بالزراعة والتنمية البشرية والإصلاح الإداري الذي يجب أن يكون منسجماً مع التنمية والخطط والاقتصادية. ولفت إلى أن المستثمر الأجنبي لا يأتي إلى سورية إلا إذا كان له شريك سوري متنفذ، مطالباً بمحاربة الفساد.

غرير: الاعتماد على اقتصاد العنف وإهمال العمل المنتج

الدكتور موسى غرير أستاذ الاقتصاد في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق، أكد أن النكبة التي ألمت بنا حالياً على أكثر من صعيد تحتاج إلى فكر مختلف وأساليب مغايرة لما اعتدناه قبل الأزمة، مشدداً على أهمية أن تستجيب المعالجة للواقع الحالي.

وتساءل غرير عن الوسائل التي ستحل وضع ملايين المهجرين والمهاجرين، والوسائل التي ستحد من تفاقم البطالة التي امتدت إلى مفاهيم العمل الذي بات يعتمد على اقتصاد العنف وإهمال العمل المنتج. وقال د.غرير: (نحن اليوم أمام مشكلة في موضوع العلم التي أضحت لا تقتصر على نسب الأمية بل امتدت إلى نوعية البرامج التعليمية)، مبيناً وجود خلل في البنية الاجتماعية.

وعن سبل المعالجة أكد ضرورة تحديد القطاع الأهم للبدء في عملية التنمية.

البني: سورية تحتاج إلى جهود عظيمة لتبدأ بالنهوض

الباحث صريح البني شدد على أهمية الدمج بين الجوانب الثلاثة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لحل الأزمة الراهنة، مؤكداً أهمية البدء من السياسة.

كما أشاد بالتقرير المقدم لأنه يحافظ على الخلفية للحزب ويدمج التجارب العالمية ويستقي منها المناسب للتطبيق مع الواقع السوري، مطالباً الحزب بالعمل على توسيع العلمانية.

أيضاً شدد على ضرورة اختيار القروض وتوظيفها جيداً، مؤكداً صعوبة القضاء على الفساد لأنه منظومة عالمية، مبيناً أن سورية اليوم بحاجة إلى كل شي وإلى جهود عظيمة لتبدأ بالنهوض.

الحمش:مشروع الشرق الأوسط الكبيراندمج مع مطالبات الاندماج في الاقتصاد المعولم

 الباحث الاقتصادي الدكتور منير الحمش أكد خشيته من تغلغل الرساميل الأجنبية المرتبطة بالمصارف الدولية، والمعززة بقدرات البنك الدولي.. واستشهد بمشاريع(سوليدير) في لبنان الشقيق.. والأضرار التي تسببت بها للمواطنين اللبنانيين، ورأى الدكتور الحمش أن السياسة لم تكن غائبة في التقرير، وبيّن مخاطر (الاندماج) وليس التعاون مع الاقتصاد العالمي، مؤكداً الترابط بين مشروع الشرق الأوسط الكبير، ومطالب (الاندماج) بالعولمة، وذكّر بأن الخطة الخمسية العاشرة أذّنت لبداية انحسار دور الدولة في الحياة الاقتصادية.. وأزالت الحواجز مع تركيا.. وغالت في الترويج والتنفيذ للشراكات الأوربية، وحصدنا بعدها تراجع مساهمة الصناعة والزراعة في الناتج المحلي، وبرزت المشاريع الريعية، إضافة إلى المخاطر السياسية الأخرى بسبب التحرير قبل التمكين..

نيّــال: لابد من إعداد مشروع وطني لإعادة الإعمار

الباحث الاقتصادي الأستاذ عبد القادر نيّال تساءل:من أين نبدأ؟ ورأى أن الولايات المتحدة ستواصل الضغط على سورية عن طريق تركيا ودول الخليج، والمعركة طويلة، والحديث عن إعادة الإعمار قبل انتهاء الأزمة فيه شيء من المخاطرة، ورأى أن هنالك أولويات يأتي في مقدمتها الحفاظ على السوريين، وإعادة اللاجئين، وقال: في بريطانيا عمدت الدولة أثناء الحرب العالمية الثانية إلى الإشراف على توزيع المخصصات الغذائية.. وعلى الموارد بجميع أنواعها، وأخضعت القطاعات المنتجة لظروف الحرب، أي بكلمة أخرى انتهجت (اقتصاد الحرب)، ورأى الباحث نيّال ضرورة إعداد مشروع وطني لإعادة الإعمار، لمواجهة المشاريع الآتية من الخارج.

سيروب: لابد من عودة الإيرادات النفطية إلى الدولة

الدكتورة رشا سيروب أكدت ما طرحه الدكتور فضلية حول المهجرين، فهم ليسوا لاجئين عائدين فقط، بل قوة عمل.. وإنتاج، ورأت أن التجارب السابقة بينت أن الاستثمارات الأجنبية صبت في المشاريع التي تخدم الفئات الثرية، وقالت إن البديل في هذه المرحلة هو عودة الإيرادات النفطية إلى الدولة بدلاً عن عقود الخدمة.. وإقامة المشاريع التي تعزز الإيرادات، والاهتمام بمسألة الوعي والتربية للجيل، وتنفيذ السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تؤدي إلى التخفيف من أضرار المأساة السورية وتداعياتها.

حسيني: علينا البحث عن أسباب عزوف الرساميل الوطنية عن الاستثمار في سورية

الأستاذة هناء الحسيني رأت أن التقرير جيد، وتمنت لو تطرق أكثر للسياسات الداخلية، وقالت: الكثير من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية تعود لأسباب سياسية. وأكدت أنها تعارض الاستثمار الأجنبي، وعلينا البحث عن أسباب عزوف الرساميل الوطنية عن الاستثمار في سورية، وطالبت بالبحث عن موارد إضافية في اقتصادنا الوطني.. وموقعنا الجغرافي، وقدّمت مثالاً خط الأنابيب بين سورية والعراق، وجزمت بأن مواردنا تكفي لإعادة الإعمار، ولكن المسألة ليست (كبسة زر)، وهنا علينا اللجوء إلى الأولويات..

واختتم الرفيق لحام الندوة بتقديم الشكر للمشاركين.. مؤكداً أن آراءهم وملاحظاتهم ستجد اهتماماً جدياً، مبدياً موافقة الحزب على تنظيم ندوات اقتصادية أخرى لبحث المسائل الرئيسية في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.

العدد 1104 - 24/4/2024