أم السنابل تشتاق رغيف خبز

 قيل: (لو لم تكن المرأة وطناً لكان جميع الرجال لاجئين).

ولكنني أقول أنه ليس فقط الرجال، بل الأطفال أيضاً، كيف لا والمرأة هي الأم  والأخت والزوجة، هي خلاّقة الحب والحنان، وصنوّان السعادة والسرور.

المرأة قوام الوجود كالوطن، كالأرض الخصبة، وكرامة للإنسان قدّتها بالصبر والسلوان، فأيٌ أعظم منها بالوجود، وأيٌّ أحق منها بالتقدير، هي جامعة الفضائل، وعابئة همّ المجتمع منذ تشكل أولى خلاياه- الأسرة- إذاً هي ليست ناقصة عقل ودين، وليست مُعابَةً وعورة، ولا الحق أنصفها بنصف ميراث، وإنما هي اللقمة في بطن مسكين، ووارثة الرحمة ومانحتها، بل هي الثواب الوحيد للإنسانية على وجه الأرض، فلا إنصافاَ قد احتواها، ولا عدلاً قد شملها رغم كل المحاولات، هي تتوالد الأجيال وتجدد الحياة باستمرار، فتفلح بحمل كل مسؤولية قد أنيطت بالرجال، فكانت الأم والمعلمة، والمهندسة، والطبيبة، والسياسية النّاجحة، والجندية المتفانية، إذاً هي مجتمع متكامل ورافد للإنسانية بالمعارف والعلوم والدم والعرق، تجني سخاء الأرض، تُصيّر قوت القلوب والبطون من عطف السّماء، وبعد كل هذا لم يستثنها التهميش، ولم يَحِد عنها الإقصاء وإنكار الفضائل، وما إن حطت رحى الحرب على الوطن ونالت بفكيها من مساحات واسعة من الريف السوري، رمت بثقلها فوق ثقل التخلّف حتى ناءت المرأة حملاً بكل هذه القسوة، فمانحة الخير هناك قد سُرقت قدرتها على العطاء، وينبوعها العذب بُخّر، بعد أن دُشمت حقولها وخُدت تربتها بآلة الحرب والبارود، فدرأت ماشيتها غل وصدور قتلة الحياة، ونُثر الرصاص بدل القمح في صدر بيّاراتها. فلم تعد كافية احتياجات الوطن سفيرة الريف إليه، ولا حتى كافية نفسها وأسرتها من العوز، كانت منسيةً هي، فصارت تحت إمعان بالنسيان، فمتى نلمح بريق جبينها من بين السنابل، ونجيب على كدّها بسلال الحب والتقدير والعدل في واقع يسأله بالبارود ويجيبه الدم..؟

العدد 1107 - 22/5/2024