لنضعهن في خطط إعادة الإعمار

 منذ الصباح الباكر تستيقظ لتجدد نشاطها الذي اعتادت القيام به، فتهيِّئ العجين للخبز، وتذهب في رحلتها مع حيواناتها التي باتت تشكل جزءاً من حياتها، تأخذ الحليب وتمضي في رحلة العمل بين مكوناته، لتنطلق بعد ذلك إلى الأرض فتزرع وتحصد وتسقي وتقلع الأعشاب الضارة وتغنِّي للمحاصيل التي تعتبرها بمثابة أبنائها الذين كبروا في غفلةٍ منها فتودِّعهم حالمةً بمحصول العام القادم… إنها المرأة الريفية التي تقوم على كاهلها أعباء ومهام لا يمكن أن نتخيل أن إنساناً قادراً على القيام بكل تلك المهام معاً، حملت على عاتقها تطوير العمل بشكلٍ يتناسب مع بعض الإمكانيات المتاحة، فقرض من هنا واستلاف من هناك، لتأخذ من هذا وتضع لذاك، فينمو الحقل وتتعدد المنتجات، مؤسسةً بذلك عملاً لأبنائها إن غدر بهم الزمن ولم يجدوا العمل الذي يحلمون به.

هذه المرأة خلقت مع بدء الخليقة، وهي أساس العطاء والاستقرار والاستمرار، لا تكل ولا تمل ولا تتعب، برغم غدر المناخ وشحّ الأمطار الذي أصاب العديد من المناطق، برغم السياسات والمشاريع التي أدّت لتصحّر شبه كاملٍ، وعدم اهتمام المعنيين في وزارة الزراعة وإهمال المنظمات النسوية لمتطلباتها ودعمها أو تقديم العون لها، إنما لا ننفي انتشار بعض النشاطات في الفترة التي سبقت الحرب الشعواء، كتلك المشاريع التنموية التي ساعدت النساء الريفيات العاملات بغير أجر على استثمار قدراتهن وإمكانياتهن، والإفادة منها سواء على المستوى الاقتصادي، أو على المستوى العملي والقيام بمشروعات صغيرة، من خلال تقديم الدعم المادي الأولي لانطلاق تلك المشاريع وتطورها، وبالفعل، فقد تمّ قيام عدة تجارب جيدة كانت لا تزال في بداية انطلاقتها في العديد من المناطق السورية، حين جاءت الحرب الكارثية وقضت على الأخضر واليابس وحوّلت الأحلام التي باشرت بالتبلور إلى حطام ورماد، وأعادت كل شيء إلى ما قبل بدء الخليقة، فالأرض محروقة تأبى الاستجابة، والنفوس محطّمة تقاوم الموت لكن ليس باليد حيلة، فتلك النساء اللواتي اعتمدن في تمويلهن على أصحاب تلك الاستثمارات وقعن بين فكّي كماشة، بين تسديد الأقساط المترتبة عليهن في حين أنهن خسرن كل شيء ولا من معوّض لتلك الخسارة.

باعتقادي فإن المرأة الريفية من أكثر المتضررين مما حدث ويحدث حتى اليوم، فهي الخاسر الأكبر، إذ خسرت الأبناء والعمل والأمل، ومشاريع إعادة الإعمار لن تشمل مدّ الأرض بالسماد لتعود معطاءة كما السابق، وتنسى رائحة النار والبارود والجثث المتفحّمة، ولا الاستثمارات المقبلة ستمنح أولئك النسوة الأمل مجدداً بالعطاء وحصد النتائج.

لذا، لا بدّ من العمل على تشكيل هيئات أو منظمات، سواء حكومية أو بدعمٍ حكومي، لمدّ يد العون لتلك النسوة للبدء بالعمل مجدداً، وإيجاد آلية لتصريف المنتجات الريفية تحت رعاية الحكومة ومؤسساتها، وبهذا تصبح الفائدة متبادلة بين الطرفين، فالسوق يصبح سوقاً سورياً بامتياز وبمحاصيل محلية تغني عن الاستيراد، والعاملات يحققن مقابلاً مادياً ومعنوياً لعملهن ليتحول من مجرد عمل اعتيادي روتيني بدون مقابل إلى حلم يكبر وينمو ويساهم في إعادة الحياة لهذه البلاد بعد الموت.

العدد 1107 - 22/5/2024