التكرير العشوائي للنفط وتأثيره على البيئة والإنسان

 يتعرض الوسط الطبيعي الذي نعيش فيه لخطر التلوث، الذي يهدد سلامة البيئة وحياة الإنسان، ويؤدي إلى اختلال التوازن البيئي الناجم عن مخلفات عمليات التصنيع، والنفايات المترتبة على استعمال الآلات والمواد الخام والطاقة بشكل غير مسؤول، وقد كثرت في شرق البلاد نتيجة الهجمة الشرسة التي تتعرض لها.

وقد خلقت عمليات تكرير النفط العشوائية في مناطق الصراع التي سيطر عليها المسلحين أزمة بيئية حقيقية انعكست على جميع المكونات البيئية، وظهرت آثارها على الصحة البشرية وستبقى على مدى عشرات السنين إن لم يمتد ذلك لأبعد مما نتصور.

وفي سؤال صحيفة (النور) لوزارة الدولة لشؤون البيئة لنعرف أكثر عن التلوث الحاصل نتيجة تكرير النفط بطرق بدائية وانعكاساته على الإنسان بشكل خاص والبيئة بشكل عام قالت: إن عمليات التكرير البدائي أو العشوائي للنفط تتم من خلال الحرق باستخدام الحراقات والتقطير البسيط وتعتمد على إشعال رأس البئر، ثم رفع النفط المتدفق دون مراعاة لأي فهم أو وعي للمعنى والبعد البيئي الناتج عن انبعاث المواد السامة وخروجها إلى الأوساط البيئية. إن هذه الآليات العشوائية تتم بعيداً عن تقنيات الحفاظ على موارد الطاقة وديمومتها، إذ تتعطل هذه الآبار بعد فترة زمنية قصيرة وتخرج من الاستثمار بسبب تشكل الفراغات في الطبقات الأرضية نتيجة عدم ضخ الماء أو الغاز فيها تعويضاً عن النفط المسحوب، وبذلك تصبح هذه الأراضي ضعيفة وتتخلخل الطبقات الأرضية مما يجعل هذه المناطق عرضة للزلازل على المدى البعيد.

وأضافت الوزارة: تبدأ عملية تلوث البيئة نتيجة هذه النشاطات العشوائية من انبعاث المواد السامة والغازات الضارة كأول أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكربون وأكسيد الكبريت وكبريتيد الهيدروجين وأكاسيد الآزوت والعديد من المركبات الهيدروكربونية والأدخنة الناتجة عن احتراق الأملاح المحتواة في المياه المرافقة. ونضيف إلى ما سبق التلوث بالعناصر المشعة مثل الرادون والراديوم والعديد من العناصر المشعة ذات العمر الإشعاعي الكبير الذي قد يصل إلى مئات السنين. جميع تلك الانبعاثات تساهم في تلوث الهواء المحيط وتنتشر وفق اتجاه الرياح وسرعتها مسببة انتشاراً واسعاً للمولوثات التي ستسقط على التربة والنباتات وتصل إلى مجاري المياه مما يعني تلوثاً واسع الانتشار.

 وتبين أن انتقال المواد السامة والمشعة إلى التربة يعني انتقالها إلى المياه الجوفية والسطحية على حد سواء، ويؤدي ذلك إلى خروج الكثير من المساحات عن إمكانية الاستخدام وتصبح مصدراً للتلوث وخروج كثير من مصادر المياه عن الخدمة سواء للشرب أو الزراعة بسبب تلوثها كيميائياً وإشعاعياً، مما يعني نقصاً في الموارد الطبيعية، ذلك أن تعرض النباتات والحيوانات لجرعات من الإشعاع في تلك المناطق المصابة بالتلوث يعمل على تشكل طفرات جينية غير مرغوبة لدى الأنواع والأجناس للنباتات والحيوانات، وقد تؤدي إلى اختفاء أنواع وظهور أنواع أخرى غير مرغوبة يصعب تلافيها مستقبلاً.

ورأت الوزارة أن استمرار الحرق والتكرير العشوائي لآبار النفط يسبب كارثة بيئية حقيقية تؤثر على جميع الموارد الطبيعية في البلاد وتعمل على استنفاذ مصادر الطاقة وهدرها عشوائياً، مما ينذر بكارثة اقتصادية مضاعفة الأثر، إذ تضاف هذه الأخيرة إلى تكلفة الإصحاح البيئي وتأهيل المناطق المتضررة. وأشارت الدراسات إلى أن قيمة النفط المهدور والأضرار الناتجة عن تفجير خطوط النفط تجاوزت بكثير النفط المستفاد منه.

 وأضافت أن الجماعات المسلحة لا تبالي عند قيامها بهذه العمليات العشوائية بصحة الناس، ولا تعي أن مياه الأنهار والمياه الجوفية هي من أهم مصادر مياه الشرب التي يجب على الجميع تجنب تلويثها، وأن التكرير العشوائي للنفط يؤدي إلى انتقال كم كبير من الملوثات إلى الأنهار وتنتقل إلى المياه الجوفية وبعد ذلك تصل إلى جميع الكائنات الحية ومنها الإنسان عن طريق السلسلة الغذائية.

لذلك فالكارثة الأكبر والأكثر خطورة هي ما تتعرض له الصحة البشرية عند تلقيها لهذه المواد الهيدروكربونية والآروماتية وسخام الاحتراق وهباب الفحم وامتصاص جرعات إشعاعية عالية من كل من أشعة ألفا وبيتا وجاما وما تسببه من إصابات سرطانية، وتسممات، وطفح جلدي وطفرات قد ترافق سكان المنطقة لعقود. وأن بقاء الشخص لفترة زمنية معرضاً للانبعاثات الضارة وبشكل متواصل يزيد من الإصابات في الجهاز التنفسي والهضمي و المناعي ويحفز لظهور العيوب الخلقية ويؤدي إلى الخمول، وضعف الذاكرة والمناعة، وجميع تلك الآثار صحية هي تكلفة إضافية تضاف إلى فاتورة التلوث والتدهور البيئي في المناطق التي تعرضت للتكرير العشوائي والاستخدام الظالم لآبار النفط.

ومن هنا تعمل وزارة الدولة لشؤون البيئة وعدد من الجهات المعنية على رصد الواقع الحالي لمثل هذه الآثار البيئية ومتابعة ما يؤول إليه الوضع البيئي في تلك المناطق وتعمل على وضع خطط لتأهيل المناطق التي تلوثت والحث على إيجاد مصادر بديلة للطاقة والمياه والعمل على إيجاد حلول لتأهيل المناطق الملوثة كيميائياً وإشعاعياً.

وتحث وزارة البيئة وتوجه بوصلة البحث العلمي في المراحل الحالية والمستقبل القريب نحو دراسات وأبحاث تأهيل الترب الملوثة كيميائياً أو إشعاعياً عن طريق البحث عن نباتات أو كائنات دقيقة تعمل على استهلاك المواد الملوثة وسحبها من التربة وإيجاد الحلول البديلة لإعادة تأهيل التربة بمواصفات زراعية أو صناعية إيجابية، وتعمل نحو الاستمرار بالمراقبة ومعرفة درجات التدهور ومدى نجاح الحلول المقترحة والمطبقة، والعمل على توثيق الأنواع الحيوانية والنباتية التي تعيش في تلك المناطق لحمايتها من التعرض للطفرات والتغيرات الجينية التي قد تنتقل لعدة أجيال وقد يكون غير مرغوبة، وحث الجهات المعنية على التخفيف من الضغط السكاني في تلك المناطق من خلال نشر الوعي البيئي ورفع الحس والقدرات في مراقبة البيئة المحيطة لدى السكان ومراقبة انعكاسات مظاهر التلوث على خفض الآثار الصحية لها.

العدد 1107 - 22/5/2024