وللأفـران مبـرراتها ومعاناتها أيضاً !

 في بداية الحديث أتمنى ألاّ يفهم من كلامي أنني أدافع عن أحد، فكل ما في الأمر أننا اعتدنا في جريدة (النور) أن ننقل الرأي والرأي الآخر، ولأننا تحدثنا كثيراً عن واقع الرغيف في طرطوس بشكل خاص على لسان الأهالي، فإن من الحكمة أن ندخل إلى عمق المشكلة مع مديري وعناصر المخابز، فقد كانت لهم صرخاتهم التي نأمل من الوزارة أن تسمعها سريعاً وتبادر إلى حلّها على الأقل من باب سحب الذرائع من بين أيدي هؤلاء.

ولأننا نستطيع أن نستعيض عن الكثير من مستلزمات الحياة غير الضرورية، إلا أننا نقف عاجزين أمام انقطاع الرغيف، وخاصة في المدن وفي هذه الظروف بالذات.. فالرغيف هو المادة الهامة جداً لاستمرار حياتنا.

العنصر البشري

نجد في كثير من الأفران أن أصحاب الخبرة والكفاءة الذين جاؤوا إلى المخابز في فترة الثمانينيات قد انتهت سنوات خدمتهم وأحيلوا إلى التقاعد، وبالتالي خسر الفرن خبرات هؤلاء، والبديل هذه الأيام وبسبب الظروف الصعبة هو ممّن لا يمتلكون أيّة خبرة في مجال العمل في المخابز التي تحتاج إلى معرفة كبيرة. فمثلاً ليس لديهم أيّة معرفة بمدّة العجن ولا بسرعة العجانة ولا بزمن تخمّر العجين وحتى ليس لديهم أي خبرة بعمل معظم آلات المخبز كالقطاعة والرقّاقة وغيرها.

هذه العشوائية في انتقاء عمال المخابز هي سبب مهم من أسباب رداءة الرغيف، فلماذا لا يرسلون هؤلاء قبل مباشرتهم بالعمل في المخبز لاتباع دورة في المخبز الأكثر نجاحاً؟!. ولماذا نترك هؤلاء العمال الجدد يعانون ما يعانونه في سبيل الحصول على المعلومة والفكرة الصحيحة؟!

هناك موضوع العقود التي توقّع مع عمال لمدّة ثلاثة أشهر، وهؤلاء العمال يأتون من بيوتهم مباشرة لمزاولة عملية إنتاج الرغيف دون أن يمتلكوا أيّة خبرة في مجال إنتاج الرغيف، وحتى بعد أن يمتلكوا هذه الخبرة يكون عقدهم قد شارف على الانتهاء، إن لم يكن انتهى، فماذا نكون قد جنينا من التعاقد مع هؤلاء؟!

إن التقيد بملاك عددي يغطي حاجة المخبز الفعلية يؤدي إلى إنتاج رغيف غير جيد، فمثلاً إذا كنا بحاجة إلى 25 عاملاً أو عاملة، فمن المستحيل أن يكون هؤلاء 30 عاملاً بل يكونوا 25 عاملاً، وهنا نسأل: ماذا لو ذهب قسم من هؤلاء العمال بإجازات، سواء أكانت صحيّة أم غيرها؟! ألن يتأثر العمل في المخبز بغياب هؤلاء؟! لماذا لا يجري استثناء المخابز من القوانين الناظمة للتعيين من خلال إجراء المسابقات، ولماذا لا يجري العودة إلى قرارات التعيين بالوكالة وخاصة للفئة الثانية؟! أعتقد أن الجواب نعم على كل ما أثرناه!!

إن عدد ساعات العمل الطويلة التي يرزح تحت وطأتها العمال (أحياناً من السابعة  مساء إلى السابعة صباحاً) تتسبب لديهم بالملل والضجر وترهقهم، ومع أننا لا نبرّر لهؤلاء مللهم وضجرهم، بل يجب علينا أن نلامس كل ما من شأنه التأثير على إنتاج الرغيف، مع الإشارة إلى أننا نوصّف هنا حالة معينة من الحالات التي تؤدي إلى إنتاج رغيف رديء.

الخبرة الفنيّة

عندما كنّا نجري هذا (الريبورتاج) في أحد الأفران، حدث عطل ما، فاتصلوا مع المدير من صالة المخبز كي يقوم بإصلاح العطل، وعندما سألناه عن عمل العناصر الفنية والورشة الفنية ودورها، كان جوابه بعد تنهيدة طويلة كافية لإنضاج رغيف، بأنه لا يملك ورشة فنية بمعنى الورشة الفنية، بل كل ما في الأمر أن هناك عدد من العمال لا يملكون أيّة شهادات علمية لديهم خبرة بسيطة في إصلاح أعطال المخبز اكتسبوها من خلال وجودهم في المخبز، وهؤلاء هم من يجري الاعتماد عليهم لإصلاح معظم الأعطال، فلماذا لا يكون لدينا عناصر مدربة على كيفية إصلاح الأعطال التي تتعرّض لها المخابز وصيانتها من خلال اتباعهم دورات لتعميق خبراتهم البسيطة، وبهذا نقلل من عدد ساعات انتظار إيجاد العطل وإصلاحه، وبالتالي إعادة المخبز إلى وضعه الصحيح وإنتاج الرغيف وعدم حدوث اختناقات في تامين الرغيف؟!

المعدات

هنا تكمن الكارثة الحقيقية، فمعظم مخابزنا أُنشئت في فترة الثمانينيات، وهذا يعني أن معداتها وآلياتها قد مضى عليها زمن طويل من العمل المتواصل، ولهذا لم تعد تفي بالغرض المطلوب لكثرة أعطالها ولعدم استبدالها بل ترقيعها وإجراء صيانات لها، مع الإشارة إلى أن الأفران تعمل 24/24 وهذا كافٍ لاهتراء معدات المخبز وترهلها، وهنا نشدّد على ضرورة الموافقة على استبدال وشراء القطع الجديدة وعدم صرف الأموال على قطع انتهى عمرها الفني ولم تعد تجدي فيها كل عمليات الصيانة والترميم،  مع لفت النظر إلى أن إنتاج أي مخبز لا يقل عن 20 طناً يومياً.. فتخيلوا هذا الرقم!

وكي لا نبتعد عن الحقيقة فإن بعض هذه الأفران قد حُدث في العام ،2000 ولكن قد مضى على ذاك التاريخ نحو 15 سنة أيضاً وباتت معظم المعدات والآلات بحالة فنية غير جيدة إن لم نقل رديئة طبعاً هذا ينطبق على القطاعات والرقاقات وسيور التبريد.

وقبل أن ننتهي من هذه الفقرة لا بد من الإشارة إلى الانقطاع في التيار الكهربائي على نحو مستمر، ولو قارنا ساعات الانقطاع قبل الأزمة بمثيلتها حالياً لأدركنا كم هي كبيرة، فمثلاً كانت ساعات انقطاع التيار الكهربائي قبل الأزمة 50-100 ساعة في الشهر، وحالياً هي بحدود 450 -500 ساعة بالشهر، فلماذا لا تستثنى الأفران من حالات التقنين؟ وبالتالي صرف المازوت المخصص لها لأماكن أخرى.

التوزيع

إذا نظرنا إلى حجم الإنتاج اليومي من الخبز (أحياناً 25 طن)، فإننا بلا أدنى شك نتحسس حجم الضغط أثناء عمليات توزيع الخبز على المعتمدين، وإذا كانت أعذار بعض مديري المخابز من سوء الرغيف المنتج في مخابزهم تعود إلى تخزين هذا الإنتاج وتكديسه طوال ساعات الليل لتوزيعه في النهار، فلماذا لا يسمح لهذه الأفران بتوزيع إنتاجها من الخبز توزيعاً مباشراً طوال النهار وحتى الساعة 12 ليلاً؟!. وبالتالي يكون المواطن قادراً على الحصول على الخبز الطازج دون الانتظار طوال الليل ليصل إليه الخبز بهذا الشكل من الرداءة؟! ولماذا لا تُغلق طاقات البيع في المخبز؟! يسأل بعض المديرين.

واقع الطحين

إن ما يهم المواطن هو وصول رغيف جيد إليه.. ويتساءل مادام هناك طحين وخميرة ووقود وعمال، فلماذا لا أحصل على الرغيف الجيد؟! وهذا من حقه بالطبع  لكن هذا الأخ المواطن لا يعلم أن هناك مجموعة من العوامل الخارجة عن إرادة مديري الأفران والعمال هي التي تقف في وجه عدم انتاج رغيف جيد جداً، من جملة هذه الأمور والعوامل: رفع نسبة استخراج الدقيق من 80 إلى 95%، وبالتالي زيادة نسبة النخالة في الرغيف، وهي التي تعطيه اللون الأسمر، إضافة إلى استيراد أنواع رديئة من الخميرة تسببت في فترة من الفترات بظهور رائحة غير محببة للرغيف.

مطالب محقة

في النهاية حملنا من التقينا بهم جملة من المطالب في مقدمتها تزويد كل مخبز بسيارتين (شاحنة) لتوزيع الخبز على المعتمدين، مما يريح المعنيين بهذا الأمر من مزاجية السائقين من القطاع الخاص، إضافة إلى رفع سقف الإضافي للعمال لا سيما وأن هؤلاء العمال يعملون أيام السبت وفي كل العطل والمناسبات دون أن يحصلوا على التعويضات التي تتناسب وعدد ساعات عملهم، والإسراع قدر الإمكان بتحديث بعض المعدات والآلات في المخابز، لتبقى هذه المخابز بحالة فنية جيدة تؤمن كل احتياجات الإخوة المواطنين من هذه المادة التي لا يمكن الاستغناء عنها.

أخيراً

سواء اقتنعنا على المستوى الشخصي أم لم نقتنع بكل ما جاء على لسان عدد من مديري الأفران ورؤساء الورديات والعمال، فإن ما يطلبه المواطن من الأفران هو الحصول على الرغيف الجيد دون الدخول في دهاليز معاناة هؤلاء التي ذكرناها سابقاً، فهل ستبادر الوزارة قريباً إلى تحديث معظم معدات الأفران وإجراء دورات فنية لاكتساب الخبرات للعاملين كفنيين في المخابز للوصول إلى الرغيف الجيد؟! وهل سيحصل العمال على التعويضات التي تتناسب وعدد ساعات عملهم وطبيعة هذا العمل أيضاً؟!. سؤال نضعه برسم الوزارة.

العدد 1107 - 22/5/2024