هل من تحرر قريب للمرأة العربية؟!

نرى في العديد من الأحيان نشطاء ذكوراً في مجال حقوق المرأة، لكننا لا نرى نساءهم إلى جوارهم، والسؤال هنا: لماذا لا تشجع زوجتك على المطالبة بحقوقها وتقف إلى جانبها عوضاً عن تركها في نمط الحياة المنزلية الشرقي والحديث نيابة عنها؟! هل يحب الرجال مسألة تحرر الأنثى وأن تمارس حياتها كما النساء في الدول المتقدمة؟

من الناحية الغريزية: نعم، أما من الناحية الذهنية فلا، لأن أي إنسان متسلّط لن يتنازل عن سلطته طوعاً إن لم يواجه نضالاً أياً كان شكل هذا النضال. فذهنية الرجل العربي تقود إلى هذا الواقع غير المنصف للأنثى. أما ما نراه مؤخراً من مشاهد عشق وغرام وحميمية في الحدائق العامة فلا يدلل على أن الأنثى باتت أكثر جرأة أو تحدياً أو تحرراً، فالشّاب قلما يقترن بفتاة تسلمه جسدها في أماكن عامة شبه مكشوفة، مجازفة بأن يرى الغرباء عورتها كي تتلذذ لساعة من الزمن، ومجازفة بأن تتعرض للسجن لقيامها بفعل مُخلّ بالأخلاق العامة، ومجازفتها بأن يعلم أهلها وأقاربها بأنها تمارس ملذات جنسية في الحدائق والطرقات كالقطط.

ما أريد قوله إن معظم الشّبان يشجعون ممارسات غربية خارجة عن أعراف المجتمع، ويدّعون التحرر ليشبعوا غريزتهم، لكنهم في أعماقهم يريدون أنثى يستطيعون أن يمتلكوها ويتسلطوا على جميع مفاصل حياتها، لقناعتهم أن ما في الحياة تفاضليّ بطبيعته، وبالتالي أسر حرية المرأة يمنعها من الاحتكاك بالآخر والميل نحوه وتفضيله. الطبقات الفقيرة والكادحة تخشى أن يجذب بريق الأشياء الفخمة والفارهة النساء بعيداً عنهم باتجاه الرجل الثري. ولعلّ السبب وراء أَسْر المرأة العربية وتقييد حريتها هو خوف الرجل من ألعاب الغواية التي يمارسها الرجال الآخرون.

إننا ببساطة في مجتمع وصائي، الجيل الأكبر سناً يسعى قدر الإمكان لممارسة الوصاية تجاه الأجيال الأصغر، والرجل يسعى قدر ما أمكن لممارسة وصاية على المرأة، والمرأة الأم تسعى لممارسة وصاية تبلغ حدوداً غير صحيّة على أبنائها الصغار!! حتى الأنظمة العربية وصائية ولا سبيل لتحقيق حرية المرأة وكرامتها دون كسر هذا الطابع الوصائي، فكيف تأخذ فئة من المجتمع حقها والمجتمع بأسره يعاني من ضعف في العدالة الاجتماعية؟ إن الرجل العربي ليس حراً حتى يسعى لتحرير المرأة، فالأنظمة العربية تشبه الأنظمة الدينية، ولكن عوضاً عن الإله هناك زعيم، وعوضاً عن الطائفة هناك حزب، وكلٌّ يمارس تعصبه تحت مسمى الوطن والوطنية، وبدل تكفير الآخر يجري تخوين الآخر، ولا يمكن لأي فئة من فئات المجتمع في ظلّ أنظمة كهذه أن تأخذ حقوقها كاملة أو أن يضمن أفرادها ألا يتعرضوا للعنف… ووحدهم الأنبياء والمفكرون وفئات نادرة وقليلة هي التي لم تبادل التسلّط بالتسلّط والعنف بالعنف. لطالما كانت المرأة في طليعة الضحايا لكل خلل كبير في البنية الاجتماعية، وباعتقادي تحرر المرأة وحصولها على كل حقوقها يتطلب ثورة فكرية اجتماعية تنويرية شاملة، أما الاكتفاء بالمطالبة بحقوق المرأة فهو يشبه من يقفز عالياً ليفتح شراعاً جديداً في مركب يغرق.. والأولى أن يعمل على صيانة المركب بأكمله.

العدد 1105 - 01/5/2024