أطفال بنفوس كهلة!

حال أطفال سورية في حرب السنوات السبع لا تُرضي من يمتلك ذرّة إنسانية حيّة، إذ لم تبخل عليهم بأي نوع من أنواع القهر، فلقد فرضت على غالبيتهم واقعاً موشحاً بالسواد، مع اشتراك الجميع في تردي الحالة النفسية والسلوكية للأطفال، بسبب هذه الحرب. لكن تبقى النسب متفاوتة مقارنة مع الأطفال النازحين الذين فقدوا المسكن والملاذ الآمن، ومنهم من فقد الوالدين أو تلقى مشاهد التعنيف بشكل مباشر وأمام عينه على ذويه، في وقت كان فيه لا حول ولا قوة له لفعل أي شيء، إلا أن يختزن بروحه وذاكرته وحتى نفسيته كل ما يحويه المشهد من عنف سيتغلغل في وجدانه. كل هذا ولّد لدى أطفالنا سلوكاً عدوانياً صار قاسماً مشتركاً عند الجميع مع اختلاف البيئة، فتبقى مشاهد العنف هذه كفيلة بأن تؤسس لحالة من تزعزع الاستقرار في سلوكيات أطفالنا، وهذا ما نلمسه خلال لعبهم أو ردّات فعلهم.

ولا يمكننا أن نتجاهل حال الأطفال الذين باتوا عرضة لتلقي عنف الشوارع بسبب التشرّد واستخدامهم أحياناً أداة للقتل أو النهب مقابل ما يسدُّ الرمق، وأحياناً استخدامهم دروعاً بشرية لتحقيق غايات القتال ومآربه، فضلاً عن الحالة الاقتصادية وما خلفتها من سوء تغذية ونمو بالنسبة للطفل، وأيضاً فرضت التسرّب المدرسي أو التغيّب عنها بسبب التهجير للالتحاق بسوق العمل مهما كانت صعوبته وقسوته على الطفل الذي لا تبلغ راحة كفه حجم ربع محرك الآلة، لكنهم يعملون بصمت مقابل المال الذي تحتاجه الأسرة، وبالتالي لا يقل الوضع سواء على الصعيد الصحي بعد النقص الكبير بالمعدات الطبية وتدمير جزء من المراكز الصحية ونقص الكوادر الطبية خاصة في المناطق الساخنة، فترى الأطفال وكأنهم يعيشون بجوار الموت الذي يجابههم في كل لحظة إمّا بسبب الحرب وتداعياتها من قصف وقذائف وما شابه، أو بسبب سوء التغذية وما ينتج عنه من نقص مناعة وفقر دم والعديد من الأمراض الأخرى لاسيما الجلدية، بسبب شح الماء والوقود وقلّة أو انعدام النظافة.

كذلك، لا يخفى على أحدنا الأمراض النفسية التي يعيشها مجمل أطفال سورية والتي نالهم منها النصيب الأكبر، وما عكسته على سلوكهم وتصرفاتهم وحتى حواراتهم، فقد باتت غالبيتها تدور عن القتل والخطف وأنواع الأسلحة والقذائف وما شابه، ويغيب عن بعضهم أن هناك موسيقا ورياضة وألعاباً يكون التحدث فيها أفضل من حديث القتل.

لذلك لابدّ من أن نُعيد النظر جميعاً بوضع الطفولة في سورية سابقاً واليوم في ظلّ الحرب، وماهية حقوقها سواء في المنزل والمدرسة والشارع، وسواء على المستوى الحكومي، وما يتطلبه هذا الواقع من اتخاذ إجراءات ضرورية لحماية أطفالنا. من هنا، يجب علينا أفراداً وهيئات وحكومات أن نغسل القهر من نفوس أطفالنا، سواء في المنزل، من خلال تعليمهم المحبة التي تأتي بالمعاملة الحسنة، وفي المدرسة بتوجيه الأطفال إلى محبة الآخرين، بغض النظر عن انتماءاتهم. كذلك لابدّ من توفير مراكز رعاية صحية تهتم برعايتهم، وخاصّة منهم الأطفال المشردين، لنتمكّن من تخليص الأطفال عموماً مما خلفته الحرب من ضياع وتيه وتشتت، وبالتالي نعيد لهم لو جزءاً بسيطاً من حقوقهم في المحبة والعيش الكريم والنفسية المتعافية، ليكونوا كباقي أطفال العالم المتحضّر.

 

العدد 1107 - 22/5/2024