أطفال الحرب.. خسائر لا تعوض

(الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال في سورية بلغت في 2016 أعلى مستوىً لها على الإطلاق، بسبب تأثير الحرب المتواصلة على الأطفال، منذ 6 سنوات)- تقول منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) في تقرير لها نشر في 21 تشرين الأول من العام الفائت.

ويورد التقرير أرقاماً مهولة عن وضع الأطفال السوريين:

20 ألف طفل استشهدوا خلال سني الحرب الست حتى عام 2016، منهم 255 طفلاً قُتلوا في المدارس أو بالقرب منها.

أكثر من 850 طفلاً جرى تجنيدهم للقتال مع الأطراف المتعددة هنا خلال عام 2016 فقط. مليون و800 ألف طفل يعيشون في المناطق التي يصعب الوصول اليها، منهم 280 ألفاً يعيشون تحت الحصار وانقطاع المساعدات الإنسانية عنهم بشكل كامل.

تضاعف عدد الأطفال المشردين 12 مرة منذ عام 2012: أكثر من مليون وثلاثمئة ألف طفل يعيشون في مخيمات اللجوء في الدول المجاورة.

تقرير اليونيسيف يُقدّر عدد الأطفال السوريين الذين بقوا بلا تعليم بأكثر من 1.7 مليون طفل، وهناك حسب التقرير 1.3 مليون طفل آخرين معرضون لخطر التسرّب.

تقارير اليونيسيف وغيرها من المنظمات الإنسانية والدولية لا تكشف إلاّ رأس جبل الألم السوري، ويمكننا بكل ثقة وتأكيد أن نضرب أرقام هذه المنظمات الرصينة بأرقام أكبر حتى نقترب من الواقع، فمقابل كل حالة توّثق وتُصنّف لديها هناك عشرات الحالات التي تجري في العتمة ودون أن تجد من يُسلّط عليها الضوء.

في ظلّ هذا النزيف المرعب لثروتنا الأهم: المستقبل، ماذا يمكن أن يفعل قانون اقترحته الهيئة السورية لشؤون الأسرة عام 2003، ووضع في أدراج الحكومات المتعاقبة منذ ذاك؟

لكننا كنا سنعلم مدى اهتمام الحكومات بمسألة غاية في الأهمية كهذه المسألة، فيما لو أُقِرَ القانون، ولو بعد إجراء ما يشاؤون من تعديلات عليه.

ما حصل خلال عقود عجاف مرّت على سورية أن الاهتمام توجه إلى الشعارات والمظاهر، وأُنفقت مليارات الليرات على نشاطات ومنظمات باهتة وشكلية غارقة في النفعية والتسلّق والانتهازية، فبقيت الطفولة والأطفال مجرد شعارات تُرَدد وقصائد تموت في الكتب والمجلات.

والنتيجة أن أجيالاً عدة رُبيّت على الازدواجية وإظهار الولاء علناً، مع الاحتفاظ بكل الاعتراض والتمرد وكبته حتى انفجر كل شيء عام 2011، وكانت كارثة حقيقية أن يكون الفكر الديني هو المسيطر والموجه لغالبية الناس، نتيجة جمود الفكر وتغييب التفكير العلمي، والتضييق على المنظمات والهيئات والقوى التي كانت تسعى إلى تكريس ثقافة شعبية ووعي عام وطني علماني بعيداً عن ضجيج الشعارات وتهافت الخطابات الغوغائية.

الآن، وقد صرنا أمام كارثة وطنية حقيقية فيما يخص وضع أطفال سورية، ماذا يمكن أن نفعل؟

في ظلّ حرب عمياء يسيطر فيها التطرف والأحادية وتقديس العنف على مساحة الوطن، لا يمكن لأيّ جهد هادف إلى قوننة المسألة والبدء من جديد أن يكون مُثمراً وبنّاءً، وأقصى ما يستطيع ذوو النوايا الحسنة وأصحاب المشاريع التنويرية فعله الآن هو الانخراط في الجهد الإغاثي الخاص بالأطفال تحديداً، من تأمين ظروف إنسانية لأطفال سورية الموزعين بين مخيمات التهجير والمناطق المحاصرة ومناطق سيطرة الدولة التي تتميّز عن المناطق الأخرى باستقرار نسبي، إلى محاولة تأمين بنية تحتية ولو كانت مؤقتة لمؤسسات تعليمية عصرية، لا كتاتيب لتعليم الفقه الديني والأفكار البائدة، وهو جهد دونه فئات وكتائب مسلحة وعمائم ومصالح وقوى إقليمية وأموال ستحاول أن تكبح هذا الجهد وتُفشله، لكنه السبيل الوحيد المتاح لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أطفال سورية، إلى أن تنتهي الحرب ونبدأ بتأسيس رؤية جديدة لبناء طفولة حقّة كاملة تُسهم في خلق أجيال جديدة حرة الفكر وعلمية ومؤمنة بالوطن والمواطنة.

العدد 1105 - 01/5/2024