دراسة غير رسمية حول هجرة السوريين: 7,7 مليارات دولار عملة خرجت من سورية

في البداية لابد لنا من القول إن الأرقام الواردة في هذه الدراسة هي أرقام حقيقية، لا تستند إلى أية إحصائية حكومية أو إحصائية خارجية فهي محايدة ليس لها أي توجه سياسي، أو استغلال أزمة المهاجرين مع أو ضد أي جهة كانت.

الدراسة التي قدمها الباحث الاقتصادي الدكتور عمار يوسف احتوت على العديد من المؤشرات المهمة حول هذه الظاهرة الخطرة.

وقدم الباحث أولاً بالقول: بدء مفهوم الهجرة في سورية قديم وكان حلم الشاب السوري منذ القدم التوجه إلى إحدى الدول الغربية لكسب العيش والحياة هناك لما كان يسمعه ممن هاجر قبله عن الحياة هناك، وهي خلاف السفر إلى دول الخليج إذ لم يكن هنالك السفر بقصد العمل فهو في النهاية راغب بالعودة.

لكن بفعل الحرب على سورية وما جرى في السنوات الخمس الأخيرة تحولت الهجرة إلى ما يجوز تسميته طريقة حياة، فقد بدأت خجولة في بداية الأزمة وكانت الأغلبية على قلتها تسافر عن طريق ليبيا إلى الشواطئ الإيطالية لتقوم بطلب اللجوء هناك. أما في السنتين الماضيتين، فقد تغيرت وجهات الهجرة وتغير طريق الهجرة فتحول أغلبية المهاجرين السوريين إلى السفر عن طريق لبنان إلى تركيا ومنها عن طريق البحر إلى اليونان مستمراً ومخترقاً أوربا للوصول إلى الدول الأكثر رقياً في أوربا، وهي ألمانيا وهولندا والدول الاسكندينافية والسويد، خصوصاً في السنة قبل الماضية وفي هذه السنة والسنة الماضية، فأغلبية المهاجرين السوريين يستقرون في ألمانيا أو النمسا لما وجدوه في هاتين الدولتين من أريحية في الاستقرار وتأمين سبل العيش.

ولنبدأ منذ البداية عندما يفكر المواطن السوري في الهجرة، ينقسم المواطنون السوريون الراغبون بالهجرة إلى مجموعتين:

 أغنياء يستطيعون تحمل تكاليف الرحلة الآمنة إلى أوربا وهؤلاء لا تزيد نسبتهم على 10% في مجموع المهاجرين، وأغلبية من متوسطي الدخل أو الفقراء إن جاز التعبير يسافرون ضمن الظروف الأقسى للرحلة، فتبلغ بداية تكلفة الرحلة للأغنياء ما يزيد على (12000) اثني عشر ألف دولار أمريكي تشمل الحصول على الفيزا وأجرة الطائرة والإقامة في الفنادق، وهنالك الفقراء، إذ تصل تكاليف الرحلة وسطياً إلى (5000) خمسة آلاف دولار للشخص الكبير وأقل من 2500 دولار للطفل الذي يصطحبه والده، والطريق الأساسي الحالي هو التوجه إلى لبنان ثم إلى تركيا ومنها إلى أوربا.

هذا في الخروج النظامي من الحدود السورية، أما المجموعات من المواطنين التي تخرج خروجاً غير نظامي وخاصة في الشمال والجنوب، فتنخفض تكاليف الرحلة وخاصة في الشمال حيث الوصول إلى تركيا مباشرة بتكاليف بسيطة لا تتجاوز الرحلة (2500) ألفين وخمسمئة دولار من الحدود إلى البحر وتشمل إقامة لعدة أيام وأجرة المركب الذي يقطع المهاجر به البحر إلى اليونان، كل ذلك حالياً نتيجة التسهيلات التي تقدم إلى المهاجرين وخاصة السوريين منهم ضمن أوربا. أما في الماضي أو قبل سنة ونصف فكان يكلف الوصول إلى بلد اللجوء ألمانيا على سبيل المثال ما يزيد على 7000 سبعة آلاف يورو.

من يهاجر من سورية؟

في لحظة من اللحظات أصبح حلم الهجرة وباء يداعب أحلام أغلبية السوريين لأسباب كثيرة:

أولها- عدم وجود الأمان خاصة في المناطق التي يسيطر عليها الإرهابيون بمختلف أسمائهم وتشكيلاتهم، الأمر الذي أدى بالمواطنين إلى النزوح إلى المناطق الآمنة التي تقع تحت سيطرة الدولة.

ثانيها- بعد النزوح إلى تلك المناطق.. وجد المواطنون أنفسهم من دون مأوى أو عمل بعد أن خسروا أغلبية أملاكهم ومدخراتهم فأصبح السفر هاجساً بالنسبة لهم.

ثالثها- ما يحلم به المواطن السوري حال وصوله إلى البلاد الأوربية مع ما يسوّق أن الاستقبال في تلك الدول للمواطنين السوريين متميز بطريقة تجعله يحقق كل ما يحلم به من الراحة والأمان والدخل الجيد.

أعداد المهاجرين ونوعيتهم ودرجة تعليمهم

تبلغ أعداد المهاجرين المسجلين وهم في تزايد يومي ما يزيد على مليون مهاجر، نسبة الأطفال فيهم 20% ونسبة النساء 20% ونسبة الرجال 60%. أما بالنسبة للدراسة العمرية للمهاجرين فتتراوح أعمار المهاجرين وسطياً بين 18 و40 سنة وهم الأغلبية العظمى، إن أخرجنا الأطفال من المعادلة، وهم بحدود 20% أما كبار السن فلا تتجاوز نسبتهم 3% من مجموع المهاجرين وتبلغ الفئة العمرية من 18 إلى 40 سنة 77% من مجموع المهاجرين.

المستوى العلمي للمهاجرين

يتراوح المستوى العلمي للمهاجرين بين من لا يعرف القراءة والكتابة، أي الأمي، وحملة الإجازات العليا العلمية، من الملاحظ أن هنالك ما نسبته 7% من المهاجرين هم حاملو إجازات جامعية، منهم ما لا يقل عن (4000) أربعة آلاف شخص يحملون الماجستير والدكتوراه في اختصاصات متنوعة. أما الباقون فيصل حملة الشهادة الثانوية إلى 27% والإعدادية إلى 33% والابتدائية وغير المتعلمين والأطفال إلى ما تبقى (40%).

 

المستوى الاقتصادي

من الملاحظ لدى المهاجرين أن أعداداً كبيرة منهم هم من الطبقة الغنية في المجتمع، إذ  تصل نسبتهم إلى 10% من مجموع المهاجرين ويصل أفراد الطبقة المتوسطة إلى نسبة 60% من مجموعهم، والدليل على ذلك الكلفة العالية للسفر والهجرة، إذ تصل المبالغ اللازمة للهجرة إلى ما يزيد على 9 آلاف يورو للشخص الواحد وخاصة قبل وجود التسهيلات التي تقدمها حالياً الدول الأوربية، الأمر الذي أدى إلى انخفاض تلك التكاليف انخفاضاً كبيراً.

أما الفقراء أو الطبقة الفقيرة فتصل نسبتهم إلى 30% وهؤلاء كانوا موجودين في تركيا وقاموا بالعمل وادخار ما يقيم أودهم للوصول إلى أوربا بأقل التكاليف الممكنة وضمن ظروف غاية في الفقر والبؤس.

خسائر سورية نتيجة الهجرة

على المستوى الاقتصادي: لابد لنا بداية من تحديد العدد الحقيقي للمهاجرين السوريين إلى أوربا وفقاً لإحصائيات ميدانية استقصائية، سيصل عدد المهاجرين السوريين الموجودين في أوربا بنهاية العام الحالي إلى ما يزيد على مليون ومئة ألف سوري، منهم من وصل فعلياً إلى أوربا ومنهم من يتجهز للانطلاق من تركيا أو من لبنان، فلا بد من اعتماد هذا الرقم إحصائياً، وخاصة أن ألمانيا ستكون الوجهة الأكبر لهذا العدد، إذ من المتوقع أن يصل عدد اللاجئين السوريين في ألمانيا إلى ما يزيد على 750 ألف لاجئ سوري في أغلبيتهم.

تبدأ الخسائر السورية الاقتصادية منذ اللحظة الأولى لتفكير المواطن السوري بالهجرة:

1- خسارة المواطن: يقوم المواطن ببيع ما لديه من أملاك وذلك بسرعة وبأسعار رخيصة ليجمع المال الكافي لرحلة الهجرة فيخسر ما نسبته 30% من أملاكه بسبب الاضطرار للبيع.

2- خسارة الدولة من العملة: يأتي في المرحلة الثانية السعي إلى شراء العملة الصعبة لدفع تكاليف الرحلة، ومن المعلوم أن هذا الأمر يشكل استنزافاً للاحتياطي النقدي السوري من العملات الصعبة ويؤثر سلباً في انخفاض قيمة العملة السورية تجاه العملات الأخرى نتيجة زيادة الطلب على العملات الصعبة، وتقدر المبالغ التي خرجت من سورية بالعملة الصعبة بما يقارب سبعة مليارات وسبعمئة مليون دولار خلال السنتين الماضيتين إضافة إلى أن كل مواطن سوري خرج من هذه الفترة حمل معه ما لا يقل عن سبعة آلاف دولار أمريكي أنفق معظمها في تركيا وجزءاً منها في لبنان أجور معيشة ومواصلات، الأمر الذي جعلها تدخل في حساب تلك الدول.

3- خسارة الطاقات التعليمية: من المعلوم أن سورية منذ أربعة عقود وأكثر حتى الآن تدعم قطاعات كثيرة في الدولة، ولعل أهم تلك القطاعات هو القطاع التعليمي، فالطالب السوري منذ بداية تعليمه حتى تخرجه لا يدفع أكثر من خمسة دولارات، في حين أنه عملياً يكلف الدولة ما يزيد على خمسين ألف دولار لحين تخرجه في المرحلة الجامعية، إضافة إلى مجموعة كبيرة من المدارس الصناعية التي تخرج المهنيين والصناعيين، فخروج هذه الفئة المتعلمة من البلاد التي في أغلبها لا تفكر بالعودة هو من أكبر الخسائر على الدخل القومي السوري، وتبلغ خسائر الدولة السورية لهذه الناحية ما يزيد على ستة مليارات دولار هي عبارة عن نزيف طاقات فكرية وعلمية وعملية سورية.

4- خسارة الصناعيين والمهنيين والتجار: مجموعة رجال الأعمال والصناعيين والمهنيين الذين هاجروا كان لهجرتهم منعكس اقتصادي سلبي لا يقل أهمية عن الخسائر في الاتجاهات السابقة، منهم الطبقة المعول عليها في إعادة الإعمار في الأزمة، فقد جرى  إفراغ سورية من أغلبية طاقاتها وخاصة الشباب منهم والمتعلمين والمهنيين ورجال الأعمال والصناعيين. ما حوّل سورية إلى بلد من الصعوبة فيه بمكان إعادة الإعمار دون الاعتماد على الطاقات الخارجية لعدم وجود فئة الشباب، ويقدر المنعكس الاقتصادي لهذه الناحية بالذات ما يزيد على عشرين مليار دولار لإيجاد مثل هؤلاء الأشخاص وتأهيلهم، ويقدر مجموع ما أخرجه التجار والصناعيون من البلاد من العملات الصعبة للبدء بالمشاريع في أوربا ودول أخرى خاصة تركيا إلى ما يزيد على 200 مليار دولار منذ بداية الأزمة حتى هذا التاريخ وهو منعكس اقتصادي متواز مع الخسائر الاقتصادية للهجرة ولكن لا يدخل ضمن حسابات خسائر الهجرة.

5-المنعكس الاقتصادي على أسعار جميع المواد: فقد حدث ارتفاع غير مسبوق في الأسعار، أحد أسبابه الرئيسية هجرة أغلبية الصناعيين والمهنيين والكفاءات الاقتصادية القادرة على الإنتاج، ما خلق هوة كبيرة بين المطلوب والكمية الفعلية في الإنتاج التي انخفضت نتيجة الهجرة إلى حد غير مسبوق لقلة الكوادر في أحيان كثيرة والقائمة تطول.

6- كسر دورة الاكتفاء الذاتي التي تنتج عن الأزمة الاقتصادية في مثل هذه الظروف من خلال تدمير الحلقة الأهم فيها وهي الموارد البشرية (المهاجرون الشباب).

المنعكس الاجتماعي للهجرة

لا يقل المنعكس الاجتماعي للهجرة في سورية تأثيراً عن المنعكس الاقتصادي، خاصة أن سورية بلد يمتاز بالحالة الاجتماعية المترابطة بين أفراد المجتمع سواء العائلة أو القرية أو المدينة عموماً أي تجمع بشري.

 الحالة الأولى: كان هنالك تدمير للروابط الأسرية نتيجة الهجرة وكان هنالك الكثير من المشاكل الاجتماعية، أولها ضغط الشباب الراغب بالهجرة على الأهل بطريقة قد تجعلهم يخسرون مدخرات حياتهم لتأمين المبلغ اللازم لسفر الشباب وهجرته، ما قد يجعلهم يدخلون في مرحلة الفاقة والفقر، إضافة إلى فقدان الوالدين للمعيل المستقبلي للأسرة من خلال سفره وقد وصلت الحالات المشابهة والقريبة من هذه الحالة إلى ما يزيد على أربعين ألف حالة ترك فيها الشاب منزله بعد أن استولى على المدخرات طوعاً أو غصباً.

 الحالة الثانية الملاحظة ضمن المجتمع السوري حالات الطلاق التي وصلت إلى حد غير مسبوق فبلغت ما يقارب 20000 عشرين ألف حالة كان أغلبها بسبب سفر الزوج أو الزوجة، وهنا لابد من الإشارة إلى حالة خطرة جداً أمام الأسرة السورية، فعندما تصل الزوجة إلى الدول الأوربية يكون أمامها الخيار بترك الزوج والاحتفاظ بالأولاد فالكثيرات ممن كن مضطهدات من الزوج في سورية وتمنعهن العادات الاجتماعية الطلاق وترك الزوج، يقمن بهذا الأمر فور وصولهن إلى بلد اللجوء وقد وصلت مثل هذه الحالات إلى ما يقارب 6000 حالة سواء في سورية أو في بلد اللجوء.

المنعكس القانوني

لا بد أن عملية الهجرة تركت الكثير من الآثار القانونية وأول تلك الآثار كانت:

1- ظهر الكثير من عمليات الاحتيال خاصة ما يتعلق ببيع العقارات العائدة للأشخاص الذين هاجروا من سورية، خاصة إذا كانت العائلة بكامل أفرادها، إذ تبقي أملاكها في سورية من دون أي رقابة أو متابعة ما يجعل بعض المحتالين يستغلون هذه الفرصة من خلال اقتحام بعض البيوت وادّعاء ملكيتها وبيعها لأشخاص حسني النية ما يؤدي إلى ضياع الحقوق، وقد وصل عدد هذه الحالات إلى ما يقارب 4000 حالة، منها ما اكتُشف ومنها ما لم يُكتشف بعد.

2- حالات الوكالات العامة التي يجريها الشخص المهاجر في الأغلب لزوجته أو أحد أقربائه، إذ يقوم هذا الشخص ببيع كل أملاك المهاجر ويستولي عليها دون أي قدرة من المهاجر على استيفاء حقه نتيجة وجوده خارج سورية، إضافة إلى أن التصرف الذي قام به الوكيل يعتبر ساري المفعول تجاه المهاجر.

3- زيادة غير مسبوقة في حالات الدعارة والدعاوى المتعلقة بها، نتيجة حتمية للوضعين الاجتماعي والاقتصادي في ظل غياب رب الأسرة.

 (الوطن) السورية

العدد 1107 - 22/5/2024