الموقف الميداني هو الحاسم

تعددت ردود الفعل بعد المؤازرة الروسية للدولة والشعب السوري، فبدأت بمناورات استعراض قوة للحلف الأطلسي، ثم جاءت تفجيرات باريس فأجبرت هولاند على المشاركة في التحالف الدولي الذي يدّعي ضرب داعش، ثم إسقاط الطائرة المقاتلة الروسية غدراً بأوامر السلطان العثماني أردوغان في الأراضي السورية تحدياً لموسكو، بعد ذلك دخلت القوات التركية إلى العراق مظهرةً أطماع تركيا، ثم جاء مؤتمر الرياض الذي حاول جمع ما سماه معارضة سورية تحت غطاء إسلامي مزيف، حاشداً دولاً صغيرةً متفرقة لا علاقة لها بالصراع الدامي في المنطقة، مستثنياً دولاً إسلامية إقليمية أساسية، مدّعياً الحرب على إرهاب يموّله ويدعمه دون أن يحدد منظماته ولا أين سيحاربه ولا متى سيتم ذلك!

ويبدو أن ردود الفعل هذه لها هدفان أساسيان، أولهما: رفع معنويات المنظمات الإرهابية التي بدأت تنهار تحت وطأة الضربات الجوية الروسية وتقدم الجيش السوري، وثانيهما: تحسين شروط التفاوض الذي بات أمراً لابد منه، بعد التدخل الروسي الحاسم.

ولعل مؤتمر الرياض المضحك الأخير لا يخرج في إطاره العام عن هذين الهدفين السابقين، إلا أنه يضيف هدفاً جديداً لعله هو الهدف الأساس لهذا المؤتمر الكاريكاتوري، أظنه تحضير ما يسمى معارضة (معتدلة) لحشرها في المفاوضات التي تحدث عنها إعلان فيينا بين الدولة السورية الشرعية وما يدعى معارضة، لكن الإخراج السعودي الهزيل بل والكوميدي لهذا المؤتمر جعله فاشلاً تماماً في تحقيق أيّ من الأهداف الثلاث، فبسبب حرج السعودية من المجتمع الدولي اضطرت أن تتجنب دعوة المنظمات المصنفة حسب الأمم المتحدة ضمن المنظمات الإرهابية، بينما دعت منظمات أخرى غير مذكورة صراحة في هذا التصنيف نتيجة تلاعب بالأسماء لكنها حسب زعمائها محسوبة على القاعدة، وهكذا احترقت ورقة المعارضة المعتدلة التي تحار الولايات المتحدة كيف تجد لها إخراجاً مناسباً، ثم إنها بتجنبها دعوة بعض فصائل المعارضة السورية لإرضاء تركيا، احترقت ورقة إمكانية إيجاد وفد موحد للمعارضة مقبول دولياً، أما من حيث رفع المعنويات، فقد كان مؤتمر الرياض محبطاً للكثير من أطياف المعارضة من الذين لم يدعَوا إليه.

ويأتي قرار مجلس الأمن الأخير رقم 2254 ليضع ردود الفعل الهزيلة المتهافتة تلك خلف ظهره، وليقر لأول مرة، بالإجماع، وحدة جميع الأراضي السورية، وحق الشعب السوري في تقرير مصيره. صحيح أنه ذكر حكومة موسعة خلال 6 أشهر! لكن هذا البند يعتمد على إقرار الأمم المتحدة وتوافق المجتمع الدولي على لائحة بالمنظمات الإرهابية، تلك التي كلّف الأردن بإعدادها ولم يتم التوافق عليها بعد، ثم على وفد موحد للمعارضة، ويبدو أن ذلك لن يحدث في المستقبل القريب، وحتى يتحقق ذلك ستتغير موازين القوى على الأرض كما يحدث يوماً بعد يوم، وسيُفرض واقع جديد بحاجة إلى اتفاقيات جديدة، فتحية التقدير والحب لجيشنا العربي السوري ولحلفائه المخلصين، الذين يحمون سورية من المؤامرات التي تحاك لها.

العدد 1104 - 24/4/2024