إلاّ الخبز…

 رشحت بعض المعلومات، تفيد  أن الحكومة تتجه صوب رفع سعر الخبز بنسبة تزيد عن 50%، وأن هناك دراسات حول تعديلات فنية ستدخل على صناعة الخبز من شأنها تحسين نوعيته.

وإذا كان تحسين صناعة الرغيف، ورفع مستوى جودته، هو مطلب حقيقي، لكننا لا نلمس وجود رابط حقيقي بين تحسين نوعية الخبز وزيادة سعره، إذ إن تحسين النوعية هو عملية فنية بحتة وكل مقوماتها متوفرة لدى المطاحن ولدى المخابز، والأجدى هو البحث في جميع المراحل التي تمر بها صناعة الرغيف، لاكتشاف مكامن الضعف فيها التي تؤدي إلى سوء إنتاجه.

إذاً، نعتقد أن رفع سعر الخبز هو الأمر المستهدف، وهو الأمر الذي كان وما يزال الكثيرون يعتقدون أنه مستبعد إلى درجة الخيال، فمن كان يظن أن يرتفع سعر الخبز الذي ملأنا الدنيا حديثاً عن عدم قابليته للزيادة، وعن أنه أحد المحرّمات التي لا يجوز أن تنتهك؟.. لقد سقطتمحرمات كثيرة قبله، مثل سعر المازوت، ولكننا لم نكن نتصور أن التجرؤ يصل إلى الخبز.

بالطبع لدى الحكومة ما تقوله حول الخسارة التي تدفعها لقاء تثبيت أسعار الخبز، وأهمها المحاولات التي تبذلها لتخفيف العجز في موازنة الدولة بعد أن بدأت الواردات المالية للدولة بالنضوب إثر العقوبات الاقتصادية الجائرة التي فرضتها الدول الغربية الداعمة  للإرهاب ضدسورية، وبعد أن نهب الإرهابيون أو خربوا منشآتنا الاقتصادية. إن ذلك الأمر نتفهمه تماماً، ولكننا  لا نتفهم أن الحكومة قد أعلنت عجزها عن تفادي العجز في ميزانيتها إلى هذا الحد، ولم نعلم بحكم رؤية الواقع، أن الحكومة استنفدت كل فرص التقشف ومحاربة الهدر والسرقة والنهب إلى الدرجة التي جعلها تمدّ يدها إلى الخبز، أي إلى المحرّمة التي كنا نتغنى بها وهي الدعم.

فإذا زال الدعم عن الخبز فأي دعم يبقى، بعد أن أزيل الدعم بشكل أو بآخر عن كل مواد الاستهلاك الشعبي؟.

يقال إن التكلفة الباهظة للحرب العدوانية علينا، وصلت إلى حدود مجنونة لا ينفع معها سوى أن نحتفظ برواتب الموظفين فقط، ونلغي كل النفقات الأخرى، ومنها الدعم الذي تتكفل به الدولة على أسعار المواد المحرم مدّ اليد إليها كالمازوت والخبز.

ولكن هل الحكومة متأكدة أنها استنفدت فرص إعادة النظر بأنظمة الاستيراد،علّها تكتشف مصادر جديدة للرسوم على الاستيراد ومنها الرسوم الجمركية التي يمكن أن تصل إلى ملايين الدولارات، أم أن الحل لديها هو (تحرير التجارة) ذلك الشعار الذي يتمسك به بعض المتنفذين الكباروبعض كبار الطفيليين؟ وهل الحكومة متأكدة من تحقيق العدالة الضريبية، إذ يدفع الموظف ضريبة على راتبه تعادل في حالات كثيرة ما يدفعه كبار التجار والسماسرة؟ وماذا فعلنا لتحصيل ما تستحقه الخزينة من  تجارة العقارات ومن تجارة العملة وتهريبها؟ وما هو مدى التقشف الحكومي الذي جرى..إلخ من الأبواب التي يمكن ولوجها لتأمين موارد جديدة للدولة غير مد اليد إلى تكاليف دعم الخبز؟.

هذا إذا اعتقدنا أن الحساب الاقتصادي البحت يفي بالغرض. ولكن أين النظرة الاجتماعية والسياسية إلى الموضوع؟.

ألم يتساءل أحد، كيف يغطي العامل أو الموظف العجز في راتبه الشهري الذي يصل حد 100%؟ وهل بقي لديه ما يدفعه وفق الأسعار الجديدة المقترحة للخبز؟

إن أسعار المواد جميعها قد ارتفعت ارتفاعاً خيالياً، وكان المستفيد منه هو المستوردين وتجار الجملة بشكل أساسي، وكان يمكن، لو حصر الاستيراد بين الدولة كما كان في السابق، أن تؤمّن مصادر دخل جديدة للحكومة تقدّر بملايين الدولارات.

إن الوضع الاجتماعي هو عنصر أساسي في معالجة الموضوع، وزيادة الـ2500ل.س قد تبخرت منذ الآن، وإذا طرأت زيادات جديدة على الخبز والمازوت فسوف تلتهب الأسواق، وهذا ما سوف يزيد من التوتر والاستياء الاجتماعي، ويضعف من عوامل الصمود الذي أظهرته الدولة خلال الخمس سنواتالماضية.

 نأمل أن يكون ما رشح عن زيادات جديدة، خاصة على الخبز، هو مجرد معلومات غير دقيقة، وقابلة لإعادة النظر فيها.

لقد تحمّل الشعب كثيراً من مآسي العدوان، فلا تجعلوه يفقد الأمل.

العدد 1107 - 22/5/2024