الإعاقة… عبء إضافي في سورية القادمة

 تُعرّف منظمة الصحة العالمية الإعاقة بأنها: (مصطلح يغطي العجز، والقيود على النشاط، ومقيدات المشاركة. والعجز هو مشكلة في وظيفة الجسم أو هيكله، والحدّ من النشاط هو الصعوبة التي يواجهها الفرد في تنفيذ مهمة أو عمل، في حين أن تقييد المشاركة هي المشكلة التي يعاني منها الفرد في المشاركة في مواقف الحياة، وبالتالي فالإعاقة هي ظاهرة مُعقدة، وهي تعكس التفاعل بين ملامح جسم الشخص وملامح المجتمع الذي يعيش/ أو تعيش فيه).

وتذهب تقديرات أممية إلى أن عدد المصابين بإعاقات نتيجة الحرب في سوريا تجاوز مليوناً وأربعمئة ألف، وهو رقم مهول إذا ما أضفنا إليه نسبة الإعاقات الموجودة أساساً وفق إحصاءات رسمية (حوالي 20% من السكان، أي خمس السكان وهو رقم مرعب يتجاوز أربعة ملايين إنسان. النسبة العالمية هي 15% من سكان العالم)، يصبح لدينا إضافة إلى الدمار الهائل أكثر من خمسة ملايين معوق يحتاجون إلى عناية طبية وأجهزة وأعضاء اصطناعية وأعمال خاصة بهم.

تُعتبر إعاقات الحرب خسائر مستقبلية لأن المعوق هنا كان عنصراً فاعلاً في المجتمع، لكن الحرب دفعته إلى قوائم المعوقين الذين كفلت القوانين والاتفاقات الدولية حقهم الإنساني في عيش كريم وفرص عمل خاصة بهم ورعاية اجتماعية ونفسية، لكن هذا الأمر يحتاج إلى ميزانيات ضخمة لا تقل عن احتياجات إعادة الاعمار إن لم تكن تتجاوزها، وإلى إدارات حكومية مؤمنة بالإنسان، لا إدارات يقول أحد الوزراء فيها: هذه رواتبنا ومن لم يعجبه فليستقل من عمله!!

وإذا كانت هذه العقلية تتعامل مع العاملين الأصحاء بهذا المنطق، فكيف ستكون تعاملها مع المعوق؟

معوقو الحرب في الداخل السوري يتوزعون إلى فئات عدة، فئة تُعتبر من جرحى الجيش وما اصطلح على تسميته (القوات الرديفة)، وهؤلاء يتمُّ تأمين حد أدنى من الرعاية لهم ولعائلاتهم كجرحى حرب لهم حقوق على الدولة التي قاتلوا معها ومن أجلها، وفئة أخرى من المدنيين الذين تعرضوا لإعاقات نتيجة القذائف التي تهطل على المدن السورية والتفجيرات وأعمال الإرهاب، هؤلاء (لا بواكي لهم) على قول المثل الشعبي، ولأن نسبة الفقر تعدت 90 بالمئة من السوريين فإن علاج إصابة المدني السوري على نفقته مستحيلة، ولا حل تالياً إلاّ باللجوء إلى المنظمات الإنسانية التي لم تعد تحتمل موازناتها هذا العدد الهائل من الإصابات.

أما في مناطق سيطرة الجماعات المسلحة فالوضع أكثر سوءاً بما لا يقاس، فالإصابات الناجمة عن القصف الجوي والمدفعي والصاروخي كبيرة وصعبة العلاج في ظلّ ندرة المستشفيات والأدوية، أو حتى تسفير المُصاب إلى مناطق آمنة أو خارج البلاد، وهكذا تكون العلاجات البدائية كالبتر والاستئصال للأجزاء المُصابة من جسد الجريح هي بوابة لزيادة عدد الإعاقات وشدّتها، يرافق ذلك انكفاء عمل المنظمات الدولية أو الخيرية بسبب ظروف الحرب والحصار، وهناك أيضاً لا بدّ أن يكون تعامل الجريح الذي يقاتل مع الجماعات المسلحة مختلفاً، إذ يجري غالباً تسفيره إلى تركيا أو الأردن (أو لبنان سابقاً)، بل جرى نقل جرحى من الجماعات المسلحة إلى إسرائيل أحياناً للعلاج، بينما يبقى المدني المُصاب بانتظار فرج الرب.

هكذا سنكون كسوريين دولة وشعباً أمام استحقاق لا يقلُّ كلفة وقسوة عن إعادة الإعمار بعد انتهاء الحرب، وهو التعامل مع ملف صعب وشائك هو ملف المعوقين الذين لا بدّ من تأمين آليات حكومية وأهلية ضمن التسويات التي يجري الإعداد لها، لرعاية شؤونهم وشؤون عائلاتهم، وتأمين عيش كريم وفرص عمل وتعليم وترفيه لهم أسوة بكل السوريين الذين ذاقوا مرارة الحرب والتهجير، وآن الأوان ليعودوا الى حياتهم الطبيعية في بلد حر آمن مستقر موحد، بلد علماني ديمقراطي يحترم حق المواطنة الضامن الأول للمواطن، سليماً كان أو معوقاً، بغض النظر عن انتمائه القومي أو الطائفي أو السياسي.

العدد 1105 - 01/5/2024