الحرب السعودية على اليمن وتدعياتها المستقبلية؟

 تعيش الأسرة السعودية الحاكمة في الرياض مرحلة تجريبية بكل المقاييس، فهي تخوض للمرة الأولى منذ قيام المملكة في النصف الأول من القرن الماضي، حرباً مباشرة خارج حدودها في إطار ائتلاف أو تحالف تقوده، ولا تشارك فيه فحسب فهي تختبر معنى أن تكون لها خاصرة رخوة، وأن تخترق حدودها قوات مقاتلة وتمكث في بلداتها الجنوبية الغربية أياماً، ثم تنسحب لتعاود الاختراق مثنى وثلاثاً ورباع، مظهرة أن تجاوز الفواصل بين البلدين ليست مسألة عرضية عابرة.

سبق أن فعلت قوات خاصة من الجيش العراقي أمراً مشابهاً، إبان حرب الخليج عام ،1991 حين دخلت بلدة (الخفجي) السعودية جنوب الكويت، التي تمر فيها أنابيب نفط من شركة المملكة، لكن البلدة سرعان ما عادت تحت سيطرة القوات السعودية إثر إسناد كثيف من قبل طائرات قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة المشاركة في حرب تحرير الكويت آنذاك، يومذاك أحجمت بغداد عن الاندفاع نحو مناطق أبعد في العمق السعودي، وعن استهداف مخازن قوات (المارينز) المكشوفة في عرض الصحراء، والتي لم تكن قيادة الجيش العراقي على دراية بوجودها، كما يرجح الجنرال المتقاعد وقائد سلاح الجو التابع للقيادة المركزية الأمريكية في الحرب (تشاك هورفر) في روايته التي وثقها الكاتب الأمريكي الشهير (توم كلانسي) في كتابه (كل رجل نمر).

الأمر في اليمن يختلف اليوم، إذ يعمد خصوم الرياض في الجيش اليمني و(أنصار الله) إلى إنتاج معادلة وتثبيتها، لا إلى القيام بعملية استطلاع واستعراض كتلك التي قامت بها القوات العراقية في (الخفجي) كما أشرنا قبل قليل، قوام هذه المعادلة خرق الحدود وإطلاق الصواريخ، ولو بشكل مقنن لقلة الموارد العسكرية والصعوبة في تعويضها، وذلك بهدف جعل الاستنزاف البشري والمعنوي والمالي مسألة وجزءاً أساسياً من عدة الصراع.

في المقابل تعمل السعودية على احتواء البلد الخارج عن طوعها من دون نتائج حاسمة.. السعودية جربت أن تضم دولاً كبرى إلى تحالفها الذي أقيم على عجل في البداية، إلا أنها فشلت في إقناع مصر وباكستان، لكنها قررت السير قدماً على رأس (تحالف الراغبين) ذوي التأثير الهامشي باستثناء دول الخليج.

لقد استنسخت السعودية مع حلفائها واحدة من أسوأ تجارب الحروب الأمريكية أخلاقياً، فعبّدت الطريق أمام عودة شركات أمنية أمريكية سيئة الصيت، ومعروفة بمجازرها وبالقتل الجماعي في العراق زمن احتلاله.. عادت شركة (بلاك ووتر) من هذه النافذة بعسكرها المجرمين والمرتزقة لتعمل في اليمن، علماً أن محطتي الجزيرة والعربية تتجاهلان تماماً أثناء نقلهما لوقائع الحرب في اليمن أعمال بل جرائم هذه الشرطة، تماشياً مع توجّهات السعودية وقطر والولايات المتحدة الأمريكية.

تتخيل الرياض أنها تجد نفسها متفوقة وقادرة على خوض حروب خارج حدودها، وعلى تأكيد حضورها الإقليمي، لكن هذا كله مجرد أوهام، فهي تورطت في حربها على اليمن، الدولة الجارة والفقيرة، ولكن هذا التورط لا يجعلها دولة فاعلة ومؤثرة في محيطها، وتورطت وما تزال في إشعال وتغذية الحروب في عدة دول عربية عبر وكلاء إرهابيين أغرتهم بالمال، كما جرى في ليبيا ويجري في سورية والعراق ولبنان وحتى في مصر وتونس، إلا أن كل أعمالها الشائعة هذه جعلتها تقف وسط مساحات هائلة من الفراغ، ووسط عوامل اقتصادية صعبة واحتياطات نقدية متناقصة، لذا فهي تركض في كل اتجاه بحثاً عن اختراقات مستعجلة، بالتوازي مع خوضها حرباً ظالمة في وحول بلدٍ يكبرها ديموغرافياً، وينوء في الوقت نفسه تحت فقر رهيب، أدركت الأسرة السعودية متأخرة أن حربها ضد اليمن ستولد لها مشكلات سياسية وأمنية كبيرة تصعب مداواتها بيسر وسهولة، إن لم يحصل استعجال في حلول تخلصها من هذه الورطة اليمنية.. هي تعلم أو لا تعلم أن تنظيمي القاعدة وداعش الإرهابيين سيتحولان إلى شوكة صعبة الاقتلاع في جنوب اليمن، وأن كلاً منهما قد يباشر بدوره في خرق الحدود السعودية تهيئة للتمدد ولإقامة (الحكم الرشيد). أيضاً تحاول الأسرة الحاكمة السعودية تطويع الإعلام العربي المضاد لها وإسكاته، وحتى المستقل، ومنع أي انتقاد عالمي لها بحجة دعمها للإرهاب وتلكّئها عن مواجهة التطرف البغيض.

وإمعاناً في محاولاتها للتضليل وتغطية دعمها السري للإرهاب وللتطرف ومساعيها لنشر المذهب الوهابي الأكثر تطرفاً من أي تيار آخر، عمدت قبل عدة أيام إلى ابتداع (تحالف مرتجل) آخر ضد الإرهاب هذه المرة، حتى تكون أيضاً لها كلمة في تحديد الجهات الواجب قتالها، وترفع بذلك سيفاً مسلطاً فوق رؤوس خصومها في اليمن الذين لم يأتمروا بأمرها، متجاهلة أن ها التحالف طابعه طائفي، وغير متجانس أيضاً، والأهم أن دولاً عديدة من الدول الـ34 المنضوية تحت لوائه وفي مقدمتها السعودية نفسها وقطر وتركيا هي دول راعية للإرهاب وتموله له. وهكذا يمكن القول بأن الأسرة الحاكمة في السعودية، تعيش اليوم مرحلة تجريبية، لأنها تخوض حرباً لم تراكم لها خبرات، حرباً ظالمة، فهي أي السعودية، قفزت من الانكفاء والدفاع والحروب بالوكالة (كما عملت في أفغانستان) وتفعل في سورية والعراق ولبنان، إلى المبادرة والهجوم والمواجهات المباشرة من دون أية خبرة أو تدرج يذكر.. يحصل كل هذا في الوقت الذي تعاني فيه مملكة الصمت والرمال من خلافات بين أمراء الجهاز الحاكم. لهذا فإن التجريب السعودي سيؤدي في نهاية المطاف إلى خروج الأمر عن السيطرة وهو ما لا يرغب به أسيادها في واشنطن.

ختاماً، إن الحرب السعودية على اليمن سيكتب عنها الكثير مستقبلاً كحدثٍ استثنائي وضع حدوداً للتجريبية السعودية الفاشلة، وسيؤدي هذا الحدث كما يتوقع الكثير من الخبراء والمحللين السياسيين إلى تحويل شبه الجزيرة العربية إلى ساحة حرب أخرى بعد أن يتمكن الإرهابيون من القاعدة وداعش من تثبيت أقدامهم فيها.

العدد 1105 - 01/5/2024