كلمة في القرار 2254

للمرة الأولى منذ أربع سنوات خلت، تمكّن مجلس الأمن الدولي من إصدار قرار بالإجماع من قبل جميع أعضائه الذين انقسموا طيلة السنوات الماضية إلى فريقين اثنين: فريق تقوده روسيا الاتحادية، وفريق تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، إزاء الحرب الإرهابية الدائرة في سورية وعليها، التي أدارتها واشنطن وحلفاؤها الغربيون وعملاؤها في المنطقة لتدمير الدولة السورية وإسقاط قيادتها وحكومتها الشرعيتين.

 بإصدار هذا القرار رقم 2254 تاريخ 18/12/2015 يمكن القول إن هذه الحرب على سورية بدأت تضع أوزارها من خلال التسليم بدور روسيا، بعد أن أصبحت قواتها العسكرية على الأرض السورية وفي الأجواء السورية والبحار القريبة منها، وبعد أن تبين للجميع أن روسيا، وعبر موقفها المبدئي الصادق، هي صاحبة الدور الأول في الملف السوري، وأن المكابرة ومواصلة الحرب على سورية تحت شعار إسقاط الرئيس الأسد المُنتخب من شعبه، ومزاعم إقامة دولة مدنية وديمقراطية، لم يعد مجدياً، خاصة في ضوء صمود الشعب السوري وتضحيات جيشه على مدى يقارب الخمس سنوات، وفي ظل دعم حلفاء سورية المخلصين ومساندتهم، وفي مقدمتهم روسيا وإيران والصين والمقاومة الوطنية اللبنانية.

 وقد فوجئت تركيا والسعودية وقطر بما حصل، وراحوا يندبون حظهم المتعثر، متهمين سيدهم الأمريكي بالخذلان والغدر.. كذلك وقفت كل من فرنسا وبريطانيا حائرتين تعيدان بكلمات لاهثة ومتقطعة ما رددتاه طوال أعوام حول ضرورة إقصاء الرئيس الأسد عن السلطة، بغية تحقيق أحلامهما بإعادة فرض الانتداب على سورية من جديد.

والجدير بالذكر أن قرار مجلس الأمن رقم 2254 الصادر- كما ذكرنا – في 18/12/2015 يشير بوضوح إلى نقطة أساسية ومفصلية، وهي أن مستقبل الدولة السورية (مؤسسات ورئيساً) يقرره السوريون فقط، وليس دولاً من الخارج. إذاً، كلام صريح ومباشر لا يقبل أي تأويل أو تحريف أو تفسير آخر، فالشعب السوري- شأنه شأن كل الشعوب الأخرى- هو صاحب القرار في تقرير مصيره ومستقبله عبر صناديق الاقتراع.

وتضمن القرار الإشارة إلى خريطة طريق لحل الأزمة السورية، أهم ما فيها المحافظة على سيادة الجمهورية العربية السورية، والدعوة إلى إقامة آلية محددة لوقف إطلاق النار، وإجراء محادثات سلام بين الحكومة السورية والمعارضة السورية أوائل شهر كانون الثاني ،2016 وتشكيل حكومة جديدة، وإجراء انتخابات برعاية أممية.

لاشك بأن هذا القرار قد وضع نهاية لكل البدع والاجتهادات ومنها بدعة الحكم الانتقالي كامل الصلاحيات، كما كان يريد أعداء سورية في الغرب وفي المنطقة، وكما أرادت جامعة الدول العربية عندما تقدمت بطلب مدعوم من الغرب ومن دول الخليج أسقطه الفيتو الروسي- الصيني المشترك آنذاك.

إن هذا القرار بغض النظر عن مدى تنفيذه والالتزام بالآلية التي نص عليها، أصبح يعد مرجعية أساسية ومرتكزاً دولياً لحل الأزمة السورية، قاطعاً الطريق على كل الاجتهادات والآراء الأخرى المسيّسة التي كانت تخفي وراءها مسألة تدمير سورية وإيجاد نظام جديد فيها يسير في ركاب سياسة واشنطن وعملائها في المنطقة، وصولاً إلى التصالح مع إسرائيل والتخلي عن الجولان السوري المحتل، كما أنه- أي القرار- يضع جميع الدول المنخرطة في مخطط تدمير سورية على المحك، فالالتزام به هو الذي يكشف فعلياً من هو مع الحل السياسي في سورية ومن يقف ضده لتحقيق مآرب ومصالح خاصة، لاسيما الدول المعروفة بعرقلة الوصول إلى هذا الحل منذ عدة سنوات عبر دعمها للمجموعات الإرهابية المسلحة تسليحاً وتمويلاً، سراً وعلناً.

وفي هذا السياق، أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن القرار الذي اعتمده مجلس الأمن الدولي قد جاء بمثابة تثبيت لاتفاق المجموعة الدولية بشأن سورية في فيينا في شهر تشرين الثاني الماضي ،2015 وأوضح في الوقت نفسه أن القرار شكل إطاراً لتسوية عادلة عبر محادثات بين الدولة السورية والمعارضة، مشيراً إلى أن الحوار السوري – السوري الذي يقوده السوريون أنفسهم، هو الكفيل بإنهاء معاناة الشعب السوري، وإبقاء سورية موحدة.

وشدد لافروف على أنه لا مكان للإرهاب في هذه المحادثات المرتقبة، وأضاف قائلاً: إن قرار مجلس الأمن هذا شكّل نواة لإرساء جبهة واسعة للتصدي للإرهاب بشكل حقيقي وفعال، موضحاً أنه لا يجوز تقسيم الإرهاب إلى إرهاب صالح وإرهاب غير صالح.

وأكد وزير خارجية الصين أن قرار مجلس الأمن الدولي حول سورية يكرس اتفاقاً واسع النطاق على الصعيد الدولي، وأن مستقبل سورية يحدده الشعب السوري فقط.

باختصار، ومع التأكيد أن الأمر المهم فيما يتعلق بهذا القرار الأممي هو التنفيذ، لكنه على أية حال أوجد مرجعية معقولة للحل السياسي، خاصة ما يتعلق بالحرص على السيادة السورية وعلى حق الشعب السوري وحده في تقرير مصيره ومستقبله دون أي تدخل خارجي، وتجاوز كل المشاريع المشبوهة التي تبناها أعداء الشعب السوري، وبالتالي يجب ألا نجمح بالآمال أكثر مما يجب، وهذا ما يبرره عدم تنفيذ قرارات أممية سابقة (2139-2199-2178) المتعلقة بتجفيف منابع الإرهاب، وذلك لعدة أسباب منها:

– عدم نضوج التسوية في الذهنية الأمريكية حتى الآن، ما يحوّل قرارات مجلس الأمن إلى جثث هامدة، ومجرد عصا تهش بها واشنطن على حلفائها لضبط أدائهم السياسي.

– إن لائحة الفصائل الإرهابية المسلحة المكلف الأردن بإعدادها يمكن ألا تكون ملزمة للجميع.

– استمرار الإدارة الأمريكية في السكوت عن خروج دول إقليمية مثل تركيا والسعودية عن الإرادة الدولية التي تتمثل بقرار مجلس  الأمن الدولي الأخير، الأمر الذي يطرح سؤالاً مهماً وهو: هل هذا الخروج متفق عليه؟!

العدد 1107 - 22/5/2024