لأننا سوريون… نستحقُّ الحياة!

 إنها سورية… أمُّ الحياة والموت في الوقت ذاته، فلكونها أم الحياة أرادوا لها الموت محتَّماً، وها هي منذ سبع سنوات تدفع ثمن الحياة التي منحتها للبشرية جمعاء، إذ تكالبت قوى الظلام من كل الأطراف والأشكال والجهات في الدَّاخل والخارج وكشَّرت عن مخالبها وأنيابها لتغتال السُّوريين كما أرادت ولا تزال، لم يكفِها عبثها بقوتنا اليومي، ولا حرماننا من الدِّفء في الشِّتاء وعذوبة البرودة في الصَّيف، ولا وأد الطُّفولة في مهدها فأطفالنا أمسوا كباراً في غفلةٍ من الزَّمن، ولم يوقف آلة الحرب اليومية جبروت نسائنا وصلابتهن التي لا مثيل لها، ولا تشبُّثنا بالحياة رغم كل ما يحدث.

منذ سبع سنوات ونحن ندفع ثمناً لما لا ذنب لنا به، فكل ما حلمنا به: وطن يتَّسع لنا جميعاً، نبذل في سبيله كل ما رخص وغلا، وأن ننال بعضاً من حقوقٍ تعترف بنا مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات، بل تعتبرنا بشراً لنا الحقُّ في العيش الكريم كما باقي البشر في تلك الدُّول التي ساهمت في موتنا وقهرنا.

وبعد كل هذا الصُّمود الذي لم يرَ التَّاريخ مثالاً له، نُكافأ بمزيدٍ من القتل، وغدا شعارنا في كلِّ لحظةٍ: (تعدَّدت الأسباب والموت واحد)، فإن لم يكن بقصفٍ مباشر كان بقذائف غادرة تهلُّ على حين غرَّة، لتُحوِّل الأماكن الأشبه بالآمنة إلى مقابر جماعيةٍ.

لا يوجد بيتٌ إلاّ وطاله الأذى، لم تبقَ روحٌ إلا وتلقَّفها الألم، لا يمضي يومٌ إلاّ بمزيدٍ من النَّعيات والدُّموع والفقدان. وبالمقابل لا يزال يزداد عدد الذين يعتبرون هذه الأرض مجالاً مباحاً لتضخيم ثرواتهم، فيصبح المثل الشَّعبي القائل: (إن وقعت البقرة كتروا سكاكينها) هو التَّعبير الوحيد عن حال هذه الأرض وهذا البلد وسكَّانه وأهله.

بعد ما يقارب العقد من الزَّمن على ما يجري على الأرض السُّورية، وبعد وأد الأمل في إيقاف الموت اليومي عدَّة مراتٍ، من خلال المؤتمرات والحوارات سواء في الدَّاخل أو في الخارج، والتي تبدو مسلسلاً مكسيكياً لا نهاية لأحداثه، آن الأوان لنصرخ في وجه الجميع: كفى!

كفانا جوعاً وتشرُّداً وضياعاً وتشتُّتاً!

كفانا موتاً على أبواب الدُّول الأخرى ولا صوت لمن ينادي!

كفاكم تجارةً بأرواحنا، بشعاراتكم ومؤتمراتكم وحواراتكم التي لم نستفد منها بشيء!

كفاكم تلاعباً بعقولٍ تتلهَّف للحقيقة والحياة فيكون مصيرها الكذب والموت والاغتيال!

وكفانا دفعاً لضرائب نزاعاتكم الخاصَّة!

فلتذهبوا أنتم وكل ما لديكم أدراج الرِّياح، ولتتركونا وشأننا نعيد ترتيب الحياة كما نراها ونريد لها، نعيد بناء بلادنا كما حلمنا بها وكما تستحق، فإن تولينا مسؤوليتها كمواطنين عُزَّل إلاّ من الحب لها ولنا، والحرص على مقدَّراتها التي تنهبون، والخوف على مستقبل أبنائنا، فسنعيش بالشَّكل الذي يليق بنا: سوريين محبِّين للحياة وضوء الشَّمس ونور القمر، وسنحوِّل المقابر الجماعية إلى حقولٍ من شقائق النُّعمان تزيد من ألفتنا وتعاضدنا.

فلتذهبوا إلى الجحيم الذي تستحقون ودعوا لنا الحب والفرح والحياة، فكل السُّوريين أهلٌ للحب والفرح والحياة بكلِّ جدارة!

العدد 1105 - 01/5/2024