الغاية تبرر الوسيلة

 لا علاقة بين السياسة والأخلاق، لا يفتر الأمير أبداً للأسباب لكيلا يفي بوعده.

جميعها أفكار خالدة خرجت من دماغِ رجلٍ يعتبره الكثيرون شيطاناً ويراه آخرون عبقرياً، فهو صاحب كتابٍ فائق الشهرة كتاب (الأمير). إنه كتاب ملازم لرجال الحكم لأنه يُعتبر كنزاً رئيسياً لكل ذي سلطة حتى يومنا هذا رغم مرور 500 عام على صدوره، ما زالت سياسات الدّول والتنظيمات المسلحة في كل أرجاء الأرض مخلصة لما جاء فيه من أفكار تنافي وتفارق الأخلاق. ففي السياسة وتحقيق الغايات الدنيئة لا تجتمع الأخلاق والشرف، ولا يحكم الضمير والعقل، بل هي المصالح من تقود أولئك، والذرائعية هي من تحركهم لخدمة مشاريعهم الكبرى وغاياتهم البعيدة، فصديق اليوم عدو الأمس، وعدو الأمس وليف اليوم، فلا أدنى اعتبار لقيم الشعوب ولا أبسط تقدير لحقوقها وسلامها.

إن في التاريخ الكثير من العبر وله في الواقع مشاهد عدة وصور، فبين رفة العين والرفة تنقلب مفاهيم كثيرة، وميادين جامعة، ثم تنشأ تحالفات وتقوّض أخرى بين الفينة والفينة.. فبالأمس كانت طائرة روسية تهوي أمام نيران مقاتلات أخرى تركية، تبعها سيل من التصريحات والعقوبات، ثم نجد انسحاباً مفاجئاً للقوات الروسية في عفرين، يفسح المجال للنيران التركية للولوج بسلام. أما الولايات المتحدة الأمريكية ولاية التطبيل والتزمير، فقد نهشت أدمغتهم بالوهم ثم جلست تتابع بصمت ما يحصل في عفرين. فاستباحة الجغرافيا السورية وقتل الجميع، جميع من يمكن أن يعيق مشروعاً سياسياً يحقق الكثير من المصالح بعضها وهم وجودي، وأخرى اقتصادية، وغيرها إيديولوجية، وبين حدود المعادلات السياسية تُقتل الشعوب ويُهجّر الأهالي وتضيع الهويات والأعراق. الانتقامات التاريخية حاضرة والخوف من ضياع الحصة يقود الكثير من الدول بتقلبات غريبة وحقيرة تحكّم منطق المنفعة اللاأخلاقية والكسب الظالم، ثم ترضخ شعوب وتنصاع للأجنبي، وتتعالى على فهم قضايا الوطن وكرامة الأرض.

غريب هو منطق السياسيين، منطق المراوغة، والمصالح، والدم والخبث والعهر، فالسياسيون الصادقون كعاهرة عذراء.

مرّ ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا على إحدى المقابر، فوجد قبراً كتب عليه: (هنا يرقد السياسي المخلص والشريف فلان) فقال: غريب كيف اجتمع الاثنان في قبر واحد؟! هذا ما جاء على لسان أخبث سياسيي الأرض، وممثل أخبث سياسات التاريخ!!

العدد 1107 - 22/5/2024