التعقيدات الرئيسية المحتملة في مؤتمر جنيف 3 القادم

 في خطوة هامة في طريق حل الأزمة السورية جرى تشكيل (المجموعة الدولية لدعم سورية) في 14 تشرين الثاني العام الماضي، المؤلفة من عشرين دولة، من ضمنها إيران والسعودية وتركيا. وشكلت هذه المجموعة الطريق السياسي بقيادة روسيا والولايات المتحدة لإنجاز القرار 2254 في نيويورك في 18 كانون الأول، كخطوة أكثر جدية في صياغة الحل السياسي، الذي تضمن خطوات واضحة وفق جدول زمني محدد لإنهاء الأزمة السورية.

تفترض السعودية ومعها تركيا أن الإدارة الأمريكية قد دخلت بنوع من السبات السياسي بعد اقتراب الانتخابات الأمريكية، وهي تفترض أن سياسات أوباما كانت (استثنائية) في مبدأ عدم إرسال قوات عسكرية إلى مناطق الصراع في الشرق الأوسط، وان الإدارة القادمة لن تنتهج النهج الذي أرساه أوباما. في هذا السياق لم تبرز أهمية القرار 2254 بالمضمون فقط، بل بالتوقيت الذي فرضه بعد مؤتمر الرياض، الذي بدا أن السعودية قد أرادت به إعداد وفد المعارضة المناسب لها، والذي يحمل صفة تصادمية مستعدة به أن تقطع الوقت المتبقي من إدارة أوباما. لكن خلقت هذه الخطوة من السعودية تعقيدات سياسية إضافية لها، في محاولة وضع شروط تساومية مع الروس، الأمر الذي أعطى موقع الأفضلية للسيناريو الأمريكي في الحل. مما دفع بالروس لقطع الطريق على هذا الدور الإقليمي السلبي للسعودية، وتمرير اتفاقات فيينا وقراري مجلس الأمن 2253 و ،2254 ومن ثم مواجهتها بالفيتو الخاص بها كدولة عظمى في مجلس الأمن إن اقتضى الأمر.

إن التاريخ المفترض للمؤتمر الدولي في جنيف 3 حول سورية هو 25 الجاري، لكن من الواضح أن هناك خلافات مازالت قائمة بين روسيا والولايات المتحدة، تحديداً في تشكيلة وفد المعارضة، فالإدارة الأمريكية لاتريد وفد معارضاً محصوراً من مؤتمر الرياض، بل تريد أن تضيف إليه على الأقل شخصيات من المكون الكردي، أحد أهم حلفاء الولايات المتحدة في (حربها) ضد تنظيم الدولة، إضافة إلى بعض الشخصيات الموافقة ضمنياً لموقف الرياض من الأزمة السورية، منها على سبيل المثال تلك الموجودة في هيئة التنسيق وتيار بناء الدولة. أبعد من ذلك، هناك إصرار من الإدارة الأمريكية على استبعاد المعارضة والفعاليات المدنية من داخل سوريا، وفق الآلية التي اعتدناها من هذه الإدارة في حل الأزمة السورية في عدم الجدية في ملف الإرهاب، وتقديم الحل السياسي عليه، والمشروط بمرحلة انتقالية ونقل صلاحيات الرئيس. لكن من الواضح أن روسيا قد تمرست في التعامل مع الإدارة الأمريكية فيما يتعلق بتصنيف وتحديد دور المعارضة، والتأكيد على استبعاد الميليشيات العسكرية الإسلامية من أي دور في مستقبل سورية. وهي الآن بشكل مختلف عما حصل في جنيف السابق، مستمرة على مبدأ ومعايير جديدة تتضمن أوسع أفق لتمثيل المعارضة السورية في الحل السياسي.

لا يزال موضوع (رحيل الأسد) العقبة الرئيسية في تقريب التناقض الدولي والمحلي إذ لم يوضح مؤتمرا جنيف1 و2 ومؤتمر فيينا ماهية دور الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية السورية، إضافة إلى موضوع خوضه لانتخابات ما بعد المرحلة الانتقالية. ومن الصعب التكهن فيما إذا كان الاجتماع القادم قادراً على حل مسألة تفويض صلاحيات الرئيس السوري إلى (هيئة حكم انتقالي) كما نص (بيان جنيف)، أم أنه سيتم اتفاق ما بين روسيا والولايات المتحدة على اقتراح مجموعة من شخصيات المعارضة يكون لها حد أدنى من القبول الإقليمي في حكومة (وحدة وطنية)، مع بقاء الرئيس السوري في سدة الحكم. نقطة أخرى قد تكون صعبة التطبيق إن لم تكن مستحيلة في الوقت الحاضر، وهي كيفية ربط وقف إطلاق النار بانطلاق العملية السياسية المزمع تنفيذها بين الوفدين المفاوضين السوري-السوري. وهل يمكن فعلاً للأمم المتحدة الإشراف على وقف إطلاق النار هذا؟

لا بد أن نشير هنا أنه إذا كان هناك من سياسة إيجابية لدى المعارضة الخارجية، فإنها يجب أن تعترف أن للنظام السوري قاعدة شعبية كبيرة ومازال يتحكم بمفاصل الدولة السورية بالكامل. وهو نظام شرعي في عرف الأمم المتحدة، وان تعبير (وفد الحكومة المفاوض) يدل حكماً على الحكومة السورية المفاوضة برئاسة الرئيس بشار الأسد. بالمقابل إذا كان هناك من سياسة إيجابية من الوفد الحكومي، فيجب أن لا يعترف فقط ببعض مكونات المعارضة المُرخصة، واتفاقات معينة مع المكون الكردي، بل لا بد أن يعترف بمجمل المعارضة السياسية المناوئة له.

 

العدد 1107 - 22/5/2024