مأساة دير الزور تزداد تعاظماً!

كل يوم يمر على سكان مدينة دير الزور تزداد مأساة الفقراء العاملين في الدولة وهم الأغلبية العظمى من سكان أحياء المدينة التي بقيت في ظل الدولة ومؤسساتها.. فالأسعار الكاوية للمواد الغذائية والنظافة والوقود تزداد لهيباً يوماً بعد يوم، لتحرق قلوب هؤلاء المساكين وبطونهم وجيوبهم، بعد أن أوشكت على الإفلاس التام، فلم يعد لديهم ما يبيعونه من أثاث ومصاغ وسيارات وأواني وغيرها.

لقد قلنا في مقالة سابقة عن رجل باع سيارته بكيسين من السكر، فقد أعلمنا أحد سكان المدينة بأنه باع سيارته بكيس واحد من السكر، وأن هذا الكيس قد سدد له ثمن السيارة، لأنه قد باع الكيس بثلاثمئة ألف ليرة سورية.

واليوم في أحياء القصور والجورة وهرابش التي بقيت في ظل الدولة، من الغرابة أن تشتري من أسواقها كل ما تحتاج إليه من مواد غذائية، ذلك أنها موجودة وممتنعة عن الصرف بسبب أسعارها. فمثلاً سعر (صحن البيض) الواحد يبلغ خمسة عشر ألفاً، أي أن سعر البيضة الواحدة 500 ل.س، وكيلو السكر بين الثلاثة والأربعة آلاف ليرة، وسعر ليتر الزيت يصل إلى هذه الحدود، وكذلك السمنة وغيرها.

أما الخضار فهي في جنون الارتفاع، فلا تقل أسعار البندورة للكيلو الواحد عن الثلاثة آلاف ليرة، وكذلك الكوسا والباذنجان وغيرها، وقد فرح الناس هناك حين رأوا بعض الحشائش تباع في الأسواق، ولكن أسعارها أصابتهم بالصدمة، فكيلو السبانخ أو السلق لا يقل عن 500 ليرة، وهذه الأسعار أيضاً تجري على مواد التنظيف التي تكاد تختفي من أسواق المدينة لندرتها وغلاء أسعارها.

وزادت المأساة أكثر اليوم انقطاع إنتاج الخبز في الأفران، بذريعة عدم توفر مادة المازوت، مما أوقع الناس في مصيبة حقاً، لأن الخبز هو المادة الوحيدة الباقية التي يستطيع الفقراء شراءها والعيش عليها.

انقطاع الرواتب وتأخرها

وتشتد اليوم المأساة على المعلمين، سواء في داخل أحياء مدينة دير الزور التي تحت ظل الدولة، أو من خرج منهم هارباً مع أطفاله إلى المحافظات السورية بحثاً عن لقمة العيش والأمان.

وإلى يوم الحادي عشر من تشرين الثاني، لم يقبض المعلمون داخل المدينة راتبهم بعد، وهو مصدر عيشهم، وكذلك المعلمون الذين هم خارج المحافظة، فمنذ ثلاثة أشهر لم يقبضوا رواتبهم بسبب مسألة التحويل من محاسب التربية في مدينة دير الزور إلى مراكز وجودهم.

والمعلمون الذين خرجوا من دير الزور نتيجة هجوم الجوع على أطفالهم وضعوا أنفسهم منذ وصولهم إلى دمشق وبقية المحافظات تحت تصرف الوزارة ومديرياتها، وعيّنوا في مدارس الوزارة وباشروا فيها بالعمل منذ أشهر، ولكن دون أن يقبضوا رواتبهم.. وهؤلاء عليهم التزامات كثيرة من حيث سداد أجرة البيوت التي استأجروها وتسديد ثمن طعامهم وملابسهم وملتزمات دراسة أطفالهم، مع العلم أن الغالبية العظمى خرج من المدينة فقط بلباسه الذي يرتديه فقط، فهو بحاجة مع أطفاله إلى اللباس الشتوي وإلى التدفئة وغيرها.

إن مأساة سكان أحياء دير الزور في ظل النظام تزداد يوماً بعد يوم، وهي تتطلب حلاً سريعاً لإنقاذهم من الموت جوعاً بسبب حصار داعش الظالم، وكذلك نرجو من السيد وزير التربية أن يقوم بلفتة كريمة لحل مأساة هؤلاء المعلمين الهاربين مع أطفالهم من الموت جوعاً، من خلال رصد ميزانية لرواتبهم ووضع محاسب لهم بدلاً من الانتظار أشهراً ليحول محاسب التربية بدير الزور رواتبهم إلى من له رصيد في المصرف التجاري، وغالبية هؤلاء ليس لهم رصيد، وإن التحويل يتطلب اقتطاع جزءاً من راتبهم كأجور تحويل، وهو في الأساس لا يكفي لتلبية حاجات المعلم وأسرته وأطفاله في غربته.

إنه عمل غير مستحيل، فالموازنة قد رصدت رواتبهم منذ بداية عام ،2015 وكل ما يتطلب هو جهد محاسبي لإنقاذ هؤلاء من ذل الغربة والديون واستجداء الآخرين.

العدد 1107 - 22/5/2024