قبالة جراحنا.. شفاهٌ للفساد تبتسم!

20 آذار يصادف يوم السعادة العالمي، وهذا يجعلنا نتساءل عن أحوالنا النفسية كشعب سوري بعد مرور سحابة الحرب وابتعادها عن سماء وطننا الحبيب. طبعاً كلّنا سعداء بالانتهاء الوشيك للحرب، وهي كانت مرحلة في تاريخ البلاد، والأهم هو مستقبل البلاد، وأن لا تكون سحابة الحرب قد غذّت بذوراً للفساد والطبقية بحيث يعتلي جسدَ الوطن لبلابُ الوهن والقهر والظلم فيحرمنا من استعادة القوة والعافية على الصعيد الريادي والحضاري. فنحن نحتاج لا إلى تفعيل كامل الطاقات الوطنية والفكرية والإنتاجية فقط، بل نحتاج أيضاً إلى ترشيد تلك الطاقات التي يهدرها الفساد الذي يُنتِج ويغذي ظواهر كالبطالة المقنعة ووجود الإنسان في المكان غير المناسب، والاحتكار، والتسلط، وتطفيش المستثمرين الأجانب… إلخ. وبناء على معطيات الواقع المعيش نستطيع أن نجيب بسهولة عن سؤال: هل نحن مقبلون على مستقبل سعيد؟

بالمجمل لا.. ولكن نسبة إلى سنوات الحرب والموت والخراب فنعم. إن سعادة أي إنسان تكون بمقدار شعوره بالعدالة والأمان وتساوي الفُرص. أما وجود طبقتين تتسع المسافة بينهما وأعلاهما ليست بالقليلة ممّن يجسدونها هم تجار الأزمة من ضعفاء الأخلاق والضمير.. هذا يجعل مشاعر تناقض السعادة تماماً تعترينا.

فإذا أردنا الحديث من مُنطلق أنثروبولوجي فما هي المسائل التي تقوض السعادة؟

الخوف.. الخوف، فالسعادة والخوف لا يجتمعان.

فما هي مخاوف الإنسان؟

الخوف الجسدي.. الخوف من الموت والأذيّة الجسدية، وهذه سنتجاوزها بإذن الله خلال أشهر حين يتم القضاء الكامل على الإرهاب.

الخوف النفسي.. ويمكن أن يشكل الخوف من الفقر والجوع والخوف من ضياع التعب أهم عوامل الخوف، فالشاب الذي تخرّج في الجامعة يخاف أن لا يجد عملاً ينصفه ويعوض تعبه الدراسي، والخوف من التسلط، إذ يخاف الناس عادة من المتنفذين عديمي الضمير وممّن يستغلون مناصبهم لخدمة مصالحهم الشخصية، ويتمتعون بحماية شبكات الفساد التي ينتفعون منها- وقد عانيت كثيراً، في عملي الصحفي من تسلّط هؤلاء.

واليوم، كثير من الرأسماليين وأصحاب المشاريع هم من الأنذال الذين امتصوا دماء الكادحين خلال سنوات الأزمة، عبر الخطف والابتزاز والتعفيش والاحتكار والربا.. إلخ.

وممّا يقوض السعادةَ أيضاً الشعورُ بالظلم والعجز، فإن كان هناك من يرد على مصادر القذائف الإرهابية ويضع حداً لها، فنحن إلى الآن لا نجد من يعيد إلى الحدائق العامة طابعها العائلي ويضع حداً لمن جعلوها مرتعاً للدعارة وممارسة الفحشاء والرذيلة وغيرها من المظاهر الاجتماعية المؤسفة، كتعسير شؤون المواطنين بغية قبض الرشا.. إلخ، والتي تحتاج إلى حزمٍ ومتابعة من قبل الأجهزة الرقابية.

إن السعادة اليوم تأتي من الأمل بالقضاء على الظواهر الاجتماعية الهدامة وإعادة الأمور إلى نصابها.. إن السعادة هي العملة النادرة اليوم في وطننا الحبيب وأكثر السعداء اليوم هم تجار الأزمة وأرباب الفساد، وحتى شبابنا الذي ناضل وانتصر لا يستطيع أن يعود إلى حياته المدنية سعيداً في ظل هذا الواقع الاجتماعي المؤسف، ولعلّ الخطوة الأولى الواجب اتخاذها هي فضح الفاسدين، وهذا واجب جميع الزملاء في منظومة الإعلام المقاوم في المرحلة القادمة، لأن السفينة التي ينمو في جسدها السوس قد لا تقوى على مجابهة العواصف.. علينا أن نخيط جراحنا ونخيط في الوقت ذاته أفواه الفاسدين التي اعتادت ابتلاع حقوقنا خلال هذه السنوات العجاف.

العدد 1107 - 22/5/2024