مع اقتراب الانتخابات الرئاسية.. تصاعد الصراع العرقي والعنصري في أمريكا؟

 مع اقتراب كل موعد انتخابي حاسم مثل الانتخابات الرئاسية، يحصل في الولايات المتحدة الأمريكية تصاعد غير مسبوق في وتيرة الصراع بين القوى السياسية الكبرى، على خلفية الفوارق الاقتصادية والاجتماعية والعرقية بين مكونات المجتمع الأمريكي، إذ يلجأ المرشحون من الحزبين الرئيسيين (الديمقراطي والجمهوري) إلى المزايدة في هذه الملفات الحساسة.. ويتوقع المتابعون للشأن الأمريكي أن يحتل الجانب (العرقي) خلال هذا العام حيزاً غير مسبوق، على خلفية تنامي مشاعر العنصرية والكراهية ضد السود في معظم الولايات الأمريكية التي شهدت احتجاجات قوية ضد العنف الذي تمارسه الشرطة الأمريكية ضد الشبان من ذوي البشرة السوداء، بموازاة تزايد التوجهات والنزعات الاستقلالية لدى الكثير من الولايات ذات الأغلبية البيضاء، التي ترفض تدخل الدولة المركزية في شؤونها المحلية، وبخاصة في فترة حكم (أوباما) الذي أعاد فتح باب جراح الهويات العرقية على مصراعيه.

من الملاحظ أنه، بعد عقود من الصراع ضد التمييز العنصري في أمريكا، لا تزال قيم المساواة بين أفراد الشعب الأمريكي بعيدة عن التجسيد على أرض الواقع، ولا تزال وتيرة الصراع العرقي تتصاعد، بل تضاعفت في فترة حكم أول رئيس أسود، إذ تشير الإحصاءات إلى أن احتمالات دخول المواطنين السود المنحدرين من الفئات الشعبية إلى السجن بمعدل مرة واحدة على الأقل في حياتهم، تصل إلى 60%، ولا تزال مواقع التواصل الاجتماعي تتداول صور الشاب الأعزل الذي قتله شرطي أبيض لمجرد بشرته الداكنة اللون، كذلك يقال الشيء نفسه عن الشابة الجامعية (ساندرا) التي اعتقلت بطرية وحشية في تكساس، وغير ذلك من حالات التجاوز والتعسف الأمني الكثير التي جعلت من الولايات المتحدة الأمريكية دولة تحتل مراتب (ريادية) في نسبة المساجين في العالم!!

وتشير تقارير إعلامية، إلى أن موجة العنصرية في الولايات المتحدة قد تضاعفت خلال فترة حكم الرئيس (أوباما)، إضافة إلى عودة أجواء التوتر العرقي التي سادت في الستينيات من القرن الماضي، والسلوكيات العنصرية في الولايات المتحدة التي رفعت بعضها العلم الانفصالي لمنطقة الجنوب، الذي يرمز لمرحلة العبودية التي حاربتها الأمة الأمريكية خلال فترة الحرب الأهلية المدمرة، ومما يعقد الأمور أكثر، هو قيام الولايات الجنوبية خلال العامين الأخيرين بتعديل تدابير قانونية وتشريعية انتخابية من دون استشارة مؤسسات الدولة المركزية في واشنطن، ما يحرم الناخبين السود والملونين من حقهم في الانتخابات لأتفه الأسباب.

وفي هذا السياق، اتضح أن أسباب ذلك تعود إلى التغيرات الديموغرافية والسكانية الكبيرة التي تعرفها البلاد، نتيجة لتراجع نسبة السكان البيض، وازدياد نسبة المهاجرين والأقليات اللاتينية والآسيوية والأفريقية، الأمر الذي يؤثر في المعادلتين السكانية والانتخابية في الولايات المتحدة، إذ تشير بعض التوقعات إلى أن نسبة الشباب الملون ستصل عام 2035 إلى 55% من مجموع الشباب الأمريكي، وحينذاك لا يمكن التحدث عن الأقليات العرقية في مواجهة الأغلبية البيضاء، وسينهار حلم البيض بتأسيس دولة بروتستانية صافية خاصة بالبيض، خاصة أن قسماً لا بأس به من جيل الشبان البيض لا يحملون تصورات منغلقة تجاه العرقيات الأخرى أسوة بآبائهم، بسبب الاختلاط في الجامعات وأماكن العمل مع العرقيات والثقافات والأجناس الأخرى.

وفي محاولة الحزب الديمقراطي وأنصاره لتجاوز هذا الوضع الاستثنائي، فهم يسعون للتركيز في شعاراتهم الانتخابية لرئاسة عام 2016 على ضرورة تجاوز حالة الاستقطاب العرقي هذه، لأنها قد تفضي إلى مزيد من العنف والانقسام داخل المجتمع الأمريكي، كذلك يشير المرشحون الديمقراطيون في سياق متصل أثناء دعايتهم الانتخابية إلى ضرورة محاربة العنصرية والتمييز المؤسساتي الذي يهيمن على النظام القضائي وعلى المؤسسات العقابية في معظم الولايات الأمريكية،

وعلى سبيل المثال ذهبت هيلاري كلينتون إلى حدّ التأكيد بأن الفوارق الاجتماعية والاقتصادية تمثل أعراضاً مرضية تشجع على تفشي العنصرية التي مازالت تنخر جسد المجتمع، وتحدثت عن عنف الشرطة ضد السود من الأمريكيين، واتهمت خصومها الجمهوريين بحرمان الشباب والأقليات العرقية من حقهم المشروع في الانتخابات، مؤكدة عزمها على تسجيل الشباب البالغ 18 عاماً في القوائم الانتخابية بشكل تلقائي في حال فوزها بالرئاسة، كما حاولت اجتذاب السود في أحد تجمعاتها الانتخابية عندما رفعت شعار: (إن دماء السود لها وزنها وليست رخيصة). وشهدت الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة نشاطاً غير مسبوق لجمعيات حقوقية تعمل على إحياء أجواء النضال من أجل المساواة العرقية والحقوقية والحريات الديمقراطية، خاصة أن الجمهوريين يتجنبون الحديث عن الصراعات العرقية في المجتمع الأمريكي، ولا يعيرون هذا الأمر أي اهتمام، وذلك للمحافظة على قواعدهم الانتخابية التي يزداد بعضها تطرفاً مثل أقطاب حزب الشاي.

خلاصة القول إن المجتمع الأمريكي يعيش الآن أزمة هوية غير مسبوقة، بعد أن أصبحت الأقليات قاب قوسين أو أدنى من التحول إلى أغلبية تقضي على أحلام البيض بتأسيس الجمهورية الخالية الموعودة، ويتوقع العديد من المتابعين للشأن الأمريكي أن الانتخابات الرئاسية المقبلة ستحدد بشكل لافت معالم الخطاب الهوياتي والاستراتيجيات المستقبلية في الداخل الأمريكي لعقود مقبلة.

العدد 1105 - 01/5/2024