أين العدالة؟!

 الموازنة العامة للدولة هي خطة مالية.. اقتصادية.. اجتماعية لعام قادم، وبهذا المعنى فإن الموازنة تعبر عن نهج الحكومة للتأثير في الوضع الاقتصادي والاجتماعي في بلد ما، وهي أداة تستخدمها هذه الحكومة للتأثير في القطاعات الإنتاجية والخدمية، وتنفيذ سياستها الاجتماعية، وتحقيق أكبر قدر من الاستقرار. تغطي بنود الموازنة العامة إيرادات الدولة، وجميع نفقاتها الجارية موزعة على الوزارات والإدارات العامة، كما تغطي نفقات الدولة في الجانب الاستثماري من خلال تخصيص الاعتمادات المالية للمشاريع الاستثمارية التي تقوم بها، وتؤدي الموازنة في الدول الساعية إلى التنمية الاقتصادية والاجتماعية، دوراً رئيسياً في إعادة توزيع الدخل الوطني بين فئات المجتمع، وذلك باقتطاع نسبة من أرباح ودخول الفئات الأكثر دخلاً وتوزيعها على شكل مشاريع تستفيد منها جميع الفئات الاجتماعية، كمشاريع البنية الأساسية والتعليم والصحة، والإنفاق الاجتماعي على الفئات الأكثر فقراً.

في ظل الأزمة العاصفة التي تمر بها بلادنا، وتداعياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبعد الحصار الاقتصادي الظالم، وغزو الإرهاب التكفيري الفاشي.كان من الطبيعي أن يظهر العجز في الموازنات الحكومية، إذ تقلصت الإيرادات العامة بسبب ركود الاقتصاد، وخسارة الإيراد الآتي من استغلال ثروات البلاد، وتزايد نسب البطالة والفقر، وهروب الرساميل.

انعكاس الأزمة..وغزو الإرهاب كان شديداً على الطبقة العاملة والمزارعين الصغار والفئات الفقيرة الأخرى، لذلك طالبنا..وما زلنا نطالب بزيادة الدعم الحكومي لهذه الفئات، وبحجبه عن الفئات الثرية، وذلك عن طريق توجيه الدعم إلى مستحقيه فعلاً، وزيادة الأعباء الضريبية على الفئات الغنية، وإعفاء الفئات الكادحة ومستلزماتها المعيشية والخدمية من هذه الأعباء. لكن ما حصل في موازنات السنوات الخمس الماضية هو تحميل هذه الفئات الشعبية عبء تقلص الإيرادات، ولجوء الحكومة إلى جيوب الفقراء الخاوية عن طريق زيادة الضرائب والرسوم غير المباشرة، التي تستسهل اللجوء إليها بسبب سرعة تحصيلها ، هذه الرسوم الظالمة حتى في زمن السلم، إذ يتساوى في دفعها الفقير والغني، وتقليص الدعم الحكومي بعد زيادة أسعار المشتقات النفطية والخبز، وإلغاء الدعم التمويني. بلغت الضرائب والرسوم غير المباشرة نحو 132 مليار ليرة في موازنة عام ،2016 مرتفعة من نحو 103 مليارات في عام ،2015 في حين بلغت الضرائب والرسوم المباشرة التي تفرض على أصحاب الثروات، وعلى الأرباح والممتلكات نحو 122 مليار لعام 2016 مرتفعة من 69 مليار في عام 2015!! صحيح أن الحكومة رفعت نسب الضرائب المباشرة بنسبة تصل إلى 75%، لكن الضرائب غير المباشرة بقيت جاثمة على صدور الفئات الفقيرة، بل زادت أيضاً بنسبة 27%، بدل أن تخفّض بعد زيادة معاناة هذه الفئات الشعبية، وتراجع أجورها الحقيقية أمام الغلاء، الذي تراوحت نسبته بين 200و 600%.

أين العدالة هنا؟! ألا تكفي هذه الفئات همومها وآلامها؟ أليست هي التي يدفع أولادها ضريبة الدم، ويقفون في مواجهة الإرهاب؟ والتي هجّرت قسراً..وفقدت بيوتها.. وعملها؟!

العدد 1107 - 22/5/2024