السرطان السلفي المتفشي في الجسد السوري (2من2)

عام 1949 نجح بعض قادة الإخوان في انتخابات الجمعية التأسيسية بقائمة تحت اسم خبيث (الجبهة الاشتراكية الإسلامية) ومنهم محمد مبارك. وتقول وثيقة الإخوان: (خاضت الجماعة معارك سياسية وفكرية للحفاظ على الهوية العربية الاسلامية ضد المتغربين والعلمانيين من فلول اليسار السوري، وفي مقدمة هذه المعارك معركة الدستور السوري التي احتدم فيها الصراع حول النص على أن الإسلام دين الدولة، وبذل الشيخ مصطفى السباعي جهوداً جبارة في هذا الإطار داخل وخارج البرلمان وانتهت المعركة بأن يتضمن الدستور السوري ما يلي – لمّا كانت غالبية الشعب السوري تدين بالإسلام فإن الدولة تعلن استمساكها بالإسلام ومثله العليا (ويكبيديا الإخوان المسلمين).

شكلت ثورة 8 آذار التي تسلم من خلالها حزب البعث السلطة في سورية ضربة للقوى الإقطاعية ولكل مكونات الحلف المقدس وبشكل خاص الرجعية المحلية وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، وكان الطرفان البعث والإخوان يدركان أن لحظة الصراع بينهما قد وصلت حد الانفجار، ففرضت حكومة البعث قانون الطوارئ، بينما أعاد مصطفى السباعي تنظيم الجماعة وتوحيد صفوفها في إطار التحضير للمواجهة التي لم تتأخر أكثر من عام على وجود البعث في السلطة، فاشتعل الصدام المسلح في حماة، ثم تلاه عام 1965 صدام آخر في دمشق بين الحرس القومي التابع للبعث ومجموعات إخوانية باسم (كتائب محمد).

أما الأسباب المباشرة للعنف فهي محاولة البعث إلغاء الانتماء الديني من البطاقة الشخصية، الأمر الذي اعتبرته الجماعة استفزازاً للمسلمين وعقيدتهم، واعتبرت مقالة كتبها الصحفي (إبراهيم خلاص)- دعا فيها لوضع الله والأديان في متاحف التاريخ- تطاولاً على الذات الإلهية، كما اعتبرت(زكي الأرسوزي) طاعناً بالإسلام من خلال كتاباته، واحتجّت الجماعة على إلغاء علامة مادة الديانة من مجموع علامات الشهادتين الإعدادية والثانوية، وكذلك على اعتقال رموز من الإخوان، وعلى علمانية حزب البعث بالكامل وتحويله مؤسسات المجتمع المدني على حد تعبيرهم إلى بنى خادمة لفكر الدولة الإلحادي، واتهمته بالتضليل الإيديولوجي والفكري. ومن المصطلحات التي استخدمتها الجماعة في دعايتها مصطلح (السلطة الكافرة) اضافة إلى التعابير المذهبية الأخرى.

عام 1970 رافق صعود الرئيس حافظ الأسد إلى السلطة تفاقم اللهجة المذهبية في أدبيات الجماعة (النصيرية والنصرانية والعلوية والإسماعيلية وغيرها من إرث ابن تيمية) تجاه الأقليات، وكأن هذه الأقليات ضيفة على المكون المجتمعي السوري، كما جاهرت الجماعة باتهامها البعث بأنه حزب معاد للإسلام، ويتحدى قيمه وعقائده ويخرب العقول والأفكار ويفسد الأجيال ويفرق بينها ويعزلها بعضها عن بعض، وذلك بسبب إقرار الحزب للتعليم المختلط، وما اعتبرته الجماعة تضييقاً على المدارس الشرعية وغير ذلك.

مطلع عام 1973 أصدر الرئيس الأسد دستوراً مؤقتاً وصفه الإخوان بأن عليه طابع العلمانية الفاقعة، فحركوا الناس في المساجد والشوارع وقامت مواجهات عنيفة بينهم وبين قوات الأمن، وبدأت تتكرس الدولة الأمنية. ورغم ذلك رفعت الجماعة من وتيرة التصعيد وبدأت عام 1976 باستخدام العنف المسلح بشكل سافر، وأقدمت على اغتيال شخصيات من الجيش والقوى الأمنية والأطباء والكتاب وكوادر سياسية من الجبهة الوطنية التقدمية.

وصل احتدام الصراع العنيف إلى الذروة عام 1979 حين ظهرت (الطليعة المقاتلة) جناحاً مسلّحاً عالي التنظيم لحركة الإخوان المسلمين شكّله (مروان حديد) الذي تتلمذ على يد محمد الحامد ومحمود الشقفة، وقاده (أيمن الشربجي)، وتتضمن مذكرات الأخير تفاصيل العمليات الإرهابية التي نفذها هو وتنظيمه، ومنها مثلاً متابعة عمليات اغتيال القادة العسكريين والأمنيين والأطباء ودكاترة الجامعات والمدرسين وعمال النظافة والخبراء الروس، ومحاولة اغتيال الرئيس حافظ الأسد وتفجير الحافلات المدنية ومقرات الصحف الرسمية ومؤسسات البيع بالمفرق ومكاتب شركة الطيران السورية ومراكز البريد والمقرات الحزبية والجبهوية ومبنى وكالة تاس السوفيتية واقتحام مصرف التسليف الشعبي وسرقة أمواله، وكذلك النقابات المهنية ومديرية التموين، والهجوم على مدرسة المدفعية في حلب الذي نفذه (إبراهيم اليوسف) المنتمي سراً إلى تنظيم الإخوان،

بينما كان يشغل في العلن ضابط أمن المدرسة والموجه الحزبي فيها، وراح ضحية الهجوم ما يزيد على مئتي طالب، مما دفع السلطات لإنزال الجيش إلى المدن الساخنة وخاصة حلب وحماة وجسر الشغور وقيام مواجهات عنيفة استمرت حتى عام 1982 وقد اضطرت السلطات عام 1980 لإصدار القانون 49 الذي تنص مادته الأولى على أن يعتبر (مجرماً ويعاقب بالإعدام كل منتسب لتنظيم جماعة الإخوان المسلمين) واعتبرت الجماعة ذلك إلى جانب منع الحجاب في المدارس ونقل المدرسين ذوي الصبغة الاسلامية إلى خارج المؤسسة التعليمية من أهم أسباب انفجار العنف.

بعد عام 1982 بدأت تختفي الجماعة من الحياة السياسية في البلاد، قبل أن تعود للظهور بقوة طاغية منذ آذار 2011 بداية الأزمة السورية. وهنا ملاحظة من الضروري لفت الانتباه إليها وهي أن البعض من مؤيدي الجماعة يرون أن سبب لجوئها إلى العنف هو عدم السماح لها بالوصول إلى مطلب حق-حسب تعبيرهم- وهو أسلمة المجتمع السوري بالوسائل السياسية، وكأن أسلمة المجتمع السوري قدر محتوم ومحكوم بعامل الأغلبية، وهذه الطبيعة الاستبدادية الإقصائية الاحتوائية هي أكبر دليل يقدمه هؤلاء بأنفسهم على أن الجماعة هي السبب في العنف المضاد تجاهها.

العدد 1107 - 22/5/2024