أين الحليب؟

اعتاد السوريون على بدء نهارهم بفطور تقليدي لا يكتمل ألا بأصناف الأجبان والألبان المتعددة، ولكن ارتفاع الأسعار بهذه الحرب طال مشتقات الحليب مما دفع الكثير من المواطنين إلى التقنين بالكمية المستهلكة أو اختيار الأرخص، ويرجع التجار سبب هذا الأرتفاع إلى عوامل كثيرة أهمها على الإطلاق الانخفاض بأعداد الثروة الحيوانية.

إن انخفاض أعداد الثروة الحيواني وبشكل خاص الأغنام والماعز والأبقار صنع أزمة هائلة، فالطلب على مشتقات الحليب كبير جداً، والإنتاج لا يسد ربع الطلب مما فتح الطريق أمام حليب البودرة، فاستحوذ على أكثر من 75% من حاجة السوق وقد استخدم التجار والصناعيين بدلاً من الحليب الطبيعي البودرة، في صناعة مشتقات الحليب وعلى وجه التحديد الأجبان والألبان في محاولة لسد حاجة السوق منها.

ونظرا لاختلاف جودة الحليب البودرة ومكان نشأته يختلف سعره، وبالتالي سعر المنتج النهائي، وبين أسعارها المنخفضة على البسطات المنتشرة، وأسعارها المرتفعة في المحلات نجد المواطنين يختارون ما يتناسب مع إمكانياتهم المادية… بينما وجد أصحاب المحال في هذه الأزمة مجالاً للغش، فمنهم من يبيعون مشتقات الحليب على أنها مصنوعة من حليب طبيعي وهي عكس ذلك، وقلة قليلة حافظوا على مصداقيتهم وأخبروا زبائنهم بنوع الحليب الذي صنعت منه.

ولكن المشكلة الحقيقية لن تحل إن تحول استهلاكنا نحو الحليب البودرة فنحن لن نجني أي فائدة من الاستمرار باستيراد الحليب المجفف ولا نستطيع أن نوقف الاعتماد عليه لان الأسواق ستعاني فوراً من شح كبير بمشتقات الحليب مما سيرفع السعر بشكل هائل لدرجة سيصعب التحكم بها، وذلك يعود لقلة الناتج المحلي من الحليب.

لهذا يكمن الحل الفعلي بزيادة الاهتمام بالثروة الحيوانية ومحاولة تعويض ما فقدناه بسبب الحرب، فأعداد كبير من الأبقار والماعز والأغنام جرى تهريبها لبعض البلدان المجاورة، وقسم آخر مات بسبب الأمراض التي انتشرت في ظل غياب الأدوية البيطرية لعلاجها في القرى والبلدات المحاصرة. فقد انخفضت نسبة الثروة الحيوانية لـ٥٠٪في سنوات الجمر هذه، حسب مواقع محلية، وقدّر فاقد إنتاج الحليب الطبيعي في دمشق وريفها فقط بأكثر من 500 طن يومياً فكيف ستعوض هذه الكمية ليس فقط على صعيد دمشق بل على نطاق كامل الجغرافية السورية؟

إن الحل الأمثل لهذا النقص الكبير هو بزيادة أعداد الثروة الحيوانية، وإن استيراد الأبقار هو خطوة في الطريق الصحيح لإعادة تنمية قطاع الثروة الحيوانية، ونأمل أن تتوسع هذه الخطوات لتشمل استيراد دفعات أخرى من الأبقار إلى جانب الأغنام والماعز، ومن خلال منح المزارعين تسهيلات للحصول على حصة من هذه الأبقار لرعايتها فضلاً عن دعم أسعار الأعلاف المخصصة والأدوية البيطرية التي من شأنها المحافظة على صحة الأبقار لضمان تنمية هذه الثروة وزيادة أعدادها، وتشجيع مربي الثروة الحيوانية للوصول بخطوات تدريجية إلى مرحلة نكتفي فيها بالناتج المحلي.

العدد 1107 - 22/5/2024