كي لا ننسى «صيّاح جهيّم» …كاتب سوري كرّس حياته لقضايا التنوير

 ولد عام 1927 في بلدة كناكر من محافظة السويداء، واجتاز المرحلة الابتدائية والثانوية في مركز المحافظة، وتابع دراسته في جامعة دمشق، وحصل على إجازة في آداب اللغة الفرنسية، إضافة إلى دبلوم في التربية عام ،1953 وعمل في التدريس لاحقاً. ولقد كان طالباً متميزاً، كان الأول بين زملائه في الجامعة خلال أربع سنين.

إن المرحلة التي ميزت الجامعة السورية في تلك الفترة من الزمن، فترة أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات من القرن الماضي، كانت مرحلة نهوض وطني عارم، وكان الحراك الشعبي آنذاك يتميز بالدينامية، وانعكس ذلك بصورة نشطة على الطلاب، تلك الفئة الشابة من المجتمع الأكثر تأثراً بقضايا الوطن ومشاكله، وكان ذلك واضحاً في انخراطهم الواسع في النضال الوطني السوري الموجه ضد الأحلاف، ومن أجل تعزيز الاستقلال الوطني في البلاد.

كان الشيوعيون آنذاك في طليعة المناضلين من أجل عدم ارتباط سورية بأية معاهدة استعمارية، وأبرزوا الكثيرين الذين أصبحوا معروفين على نطاق البلاد.

إن صياح جهيّم، الذي تميز بوطنيته الصادقة، وهو ابن السويداء ذات التقاليد العريقة في هذا المجال، لم يكن يستطيع أن يقف لا مبالياً تجاه ما يجري في البلاد، ووجد نفسه تدريجياً ينخرط مع الحزب الشيوعي السوري في نضاله ضد الديكتاتوريات، ومن أجل تعزيز الاستقلال الوطني والديمقراطية وحقوق الجماهير الشعبية، وقد ظل يحمل هذه المثل، مثُل الوطنية والديمقراطية والعدالة، طوال حياته.

في أعوام الوحدة تعرض الأستاذ الشاب صياح جهيم للاعتقال والضغط من أجل أن يتراجع عمّا يؤمن به، شأنه في ذلك شأن الكثير من أقرانه، بيد أنه ظل حتى أواخر حياته مؤمناً بأفكاره وقيمه الإنسانية.

تعرفت عليه عام 1957 من خلال جابر عبيد، المناضل الطلابي البارز آنذاك، وكنت يافعاً. أول ما أثار انتباهي فيه هو تواضعه الجمّ، وإنسانيته، وكان أي إنسان يتعرف عليه لا يستطيع إلا أن يحترمه ويقدره حق التقدير.

مع تعقّد الظروف السياسية والاجتماعية في البلاد، وجد الأستاذ الشاب جهيم أن المجال الأساسي الذي يستطيع أن يقدم فيه خدماته لشعبه هو مجال التدريس ومجال التنوير. وقد كرس حياته اللاحقة لهذين الأمرين معاً.. وكان نتاجه غزيراً سواء في مجال الترجمة أم التأليف.

تعود إليه ترجمة العديد من أعمال تولستوي (أربعة عشر مجلداً)، وأعمال أخرى متعلقة بالأدب والنقد وغيرها. (أربعون عملاً مترجماً) وله أيضاً العديد من المؤلفات مثل خليل مطران الشاعر، ورامبو شاعر الصبا والحداثة، وملامح من حنا مينه (ثلاثة كتب)، وعدد من الكتب المدرسية المتعلقة بالمناهج لطلاب الثانوية العامة وغيرها من المؤلفات.

لقد كانت أعوام أواخر الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي أعواماً غنية، أثْرت تراث الشعب السوري النضالي السياسي والفكري. وقد كان للكاتب، صياح جهيم الذي وافته المنية عام ،2000 بصماته الواضحة التي مارست تأثيرها على الكثيرين من الذين عاصروا هذه القامة الهامة من قامات شعبنا السوري، وهي لن تنسى.

 

العدد 1105 - 01/5/2024